...

العناية بالإخوة

أقصد بالإخوة هنا المؤمنين الذين نعايشهم في الرعيّة التي نحيا معها.

كنت أوشك أن أعنون هذه السطور «إسعاف الإخوة». ولكنّي، خوفًا من أن تُحصر عينا القارئ في خدمة الفقراء (متّى ٢٥: ٣١-٤٦)، استعنت بما يساعدني على أن أبدو أكثر شمولًا في مسعاي.

لأوضح بعد. لم أرد بالعناية أن تعين الجماعةُ الأخَ الفقيرَ فيها فقط، بل أن ينتفض الأقوياء على كلّ ضعف يرونه في أيّ أخ يعطي الحياةَ الكنسيّةَ وجهَهُ. فقِمّة الالتزام أن ندرك أنّ الحياة في الكنيسة ليست تجمّعًا يضمّ أناسًا يحيون في منطقة واحدة، بل في الله. أجل، إنّهم بشر يجمعهم الله فيه. هذا سرّ الحياة الكنسيّة، التي تنبع منه كلّ استقامة، أنّنا، أيًّا كنّا، شعب الله، عائلته، إخوة بعضنا لبعض.

ثمّة أمثلة عدّة على أنّ رعايانا لا تخلو من هذا الوعي. لسنا فقراء معدمين في وعينا. هذا ليس مدحًا لنا، بل واقع أرجو أن تحتضنه كلّ عينين تعيان أنّ فيه خلاصنا، وتمدّه إلى مواضع فقرنا.

أجل، نحن، أيضًا، في مواضع كثيرة، فقراء في وعينا أنّنا مسؤولون عن مدّ يد المعونة إلى إخوة يحتاجون إلى معونتنا. لا أختزل المسيحيّة إن قلت إنّها حضور. هذا يبدأ من إيماننا بأنّ ابن الله نزل من عليائه إلينا، أي حضر إلينا، وسكن بيننا. من هنا، من هذا الإيمان الخلاصيّ، المسيحيّ يأتي إلى إخوته، بل إلى الناس جميعًا. إذا نظرنا إلى الحياة نظرةً شاملة، فسنجد الناس في وضعين لا ثالث لهما، إمّا فرحين أو حزانى. وفي أوان الفرح، دعوتنا أن نفرح معهم، وفي أوان حزنهم أن نمتّن حضورنا بينهم أكثر فأكثر.

صار لي أن أقرأ، على موقع إلكترونيّ، مقابلات مع أناس خسروا أحبّاء لهم في حوادث قاتلة. تهمّني هنا مقابلة أُجريت مع امرأة رقد ابنها في حادث سيّارة. لن أستعرض مجريات المقابلة كلّها، بل ما يتعلّق بتأثير الحادث في التزامها الكنسيّ. باختصار، هذه المرأة، بعد انتهاء مراسم الدفن (الصلاة وتقبّل التعزية)، تركت بلدتها وكنيستها، وانتقلت إلى مكان آخر، والتحقت بكنيسة أخرى (كنيسة ليست في شركة مع كنيستها الأمّ). هذا لم تفعله لشعورها بأنّها لن تقوى على أن تحيا في أمكنة تذكّرها بابنها، بل لأنّ رعيّتها تركتها وحدها في حزنها. قالت إنّها لم ترَ كاهن رعيّتها بعد الدفن إطلاقًا. وأبناء رعيّتها، الذين شاركوها في صلاة الجنازة، لم ترَ منهم ثانيةً سوى واحد أو اثنين. سألها الذي أجرى المقابلة معها إن كان ثمّة ما يجعلها تشعر بالندم على تركها كنيستها. أجابته أنّ شخصًا واحدًا من رعيّتها لازمهم كما لو أنّه واحد من عائلتها. بقي يأتي، ويقعد معهم فيما يتقبّلون التعزية من دون أن ينبس بحرف. قالت: «هذا الرجل الصامت كان يشعرني بأنّ الربّ معنا في القاعة التي كنّا فيها. أجل، هذا كاد يبقيني في كنيستي»!

هذا مثلٌ أحببت أن أورده عن العناية. هناك أمور، نتصرّفها، يجب أن نراقب تأثيرها في الآخرين. هذا لا يحتمل تأجيلاً، إن وعينا أنّ دعوتنا أن نسعى إلى أن نحاكي تنازل الله إلينا. فنحن، في كثير من الأحيان، كسالى في تقديم الودّ، لا سيّما في المناطق التي غلبتها المدنيّة. مثلاً، إن اجتمعنا في كنيستنا يوم الأحد، ورأينا أنّ ثمّة جنّازًا يجرى في نهاية الخدمة، أفلا نهرول نحو الباب إن شعرنا بأنّنا لا نعرف الموجودين على المقاعد الأماميّة؟ لا أقول إنّ الناس ينتظرون تعزيتنا. هذه مشكلة أخرى. لكن، تصوّروا، إن عزّيناهم، ما الممكن أن يحدث؟ لا بدّ من أن تعبق رائحة الودّ من تصرّفنا. هذا يشتري

الناس ليسوع. ثمّ المرضى. مَن يزور المرضى في رعيّته؟ ومَن يسأل عن الذين يتغيّبون عن الخدمة؟ إن كان المريض أو الغائب ليسا صديقين لنا، ألا نعتقد بمعظمنا أنّ هذا من شأن الكهنة. سيقتلنا هذا الشأن إن لم نعتنق أنّه شأننا أيضًا. أعتقد أن انحطاطنا، هنا وهناك، بلغ غايته عندما حصرنا في الكهنة العناية بعضنا ببعض!

كلّ مؤمن ملتزم مسؤول عن نفسه وعن سواه. ما هناك أقوى من تأثير الودّ في الناس جميعًا. هذا الله يطلبه، بل يحتضنه، ويكون فيه. الكلمة الحلوة لا تعطي قيمتها لأحد. هذه الكنيسة، التي تضمّنا، هي عائلتي الحقيقيّة. كلّ إنسان فيها يعنيني. هذا انطلاقي إلى الله في جماعةٍ لا تعبد سواه. أعتقد أنّ الله يريدنا أن نكون على مستوى دعوتنا الآن، ونساعده على نشر هذه العناية الآن. كلّنا يمكننا أن نعرف أنّها تفترض وقتًا. يجب أن نجتهد في إظهار أنّ رسالة المسيح حقّ ممكن. الأخوّة في المسيح ممكنة. أجل، ممكنة!

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

العناية بالإخوة