...

كلمة الراعي القلب مسكن الله

ماذا يعني أن نجتمع ونقيم الذبيحة الإلهيّة عن نفس أخ لنا انتقلَ إلى رحمة الله؟ ما نعرف من العهد الجديد في ما يخصّ الموت، أنّ الله يكافئ كلّ واحد عن أعماله، وأنّ مصيره الأبديّ مرتبط بأعماله. ما أودّ أن أنبّه إليه في قول «إنّ أعمال الإنسان تتبعه وأنّ الله يجازي كلّ واحد عن أعماله»، لا يعني أنّ الله يقيم حسابًا، سجلاً في السماء يحفظ فيه على الإنسان أعماله، حسنة كانت أو سيّئة، بل إنّها دعوة إلى العمل الصالح.

القول المبارك إنّ الله يجازي كلّ واحد عن أعماله (رومية ٢:٥: ٦) ورؤيا يوحنّا (٢٢: ١٢) يعني أنّ أعمال الإنسان تطهّره. فإذا أنتَ أحببت الربّ والقريب وأحسنت إلى أخيك وانتبهتَ إليه وفرّجتَ عن كربته وآسيته، وكنتَ إليه في كلّ الأحوال وتواضعتَ، فأعمالك تطهّرك. ليس أنّ الله يحسبها، هي تطهّرك وترفعك إليه. ليس في القضيّة مجازاة أو عقاب، فالله ليس بمنتقم ولا يُسَرّ الله بأنّ يرى معاقَبين في الجحيم.

الحقيقة المُعلَنة لنا أنّ الإنسان يقرّبه الله إليه وأنّه هو أيضًا يقترب إلى الله بالطاعة، فيرى الإنسان نفسه محبًّا لله ويرى الله محبًّا له، وكلّ القضيّة محبّة. فمَن أحبّ ينجذب إلى وجه الله، ومَن لا يحبّ يبتعد عن وجه الله ويبقى في ظلامه. ليس أنّ الله يطرح أحدًا في الظلمة البرّانيّة. ليس أنّ الله خلق الجحيم، الله لم يخلق جحيمًا. الإنسان خلق جحيمًا لنفسه فهو يعذّب نفسه في خطايا، وليس من خطيئة إلاّ وتحمل عقابها.

الله لا يعاقب، الإنسان يكره والكراهية ذاتها تعذيب. الإنسان لا يُطرَح في الجحيم عبثًا وتعسّفًا لكنّه يأتي بالجحيم إليه. هي تُطرَح فيه ولا يُطرَح هو فيها. الإنسان يجعل نفسه في ظلام لأنّه لا يحبّ، لأنّه لا يتطهّر، وإذا أحبّ يجعل السماء في ذاته. الإنسان لا يذهب ولا يأتي، لا يصعد ولا ينزل. الإنسان هنا في هذا القلب البشريّ، يأتي بالله إلى قلبه أو يملأ قلبه بالشرور. يفرح بالفضيلة وهي ترفعه وتجمّله.

القلب البشريّ إذا سكنه الله، أي إذا سكنته الفضيلة فهو سماء. وإذا فهمنا أنّ القلب البشريّ إذا سكنته الخطيئة فمزّقته وصار جحيمًا نكون قد فهمنا كلّ شيء. ليس في الدنيا إلاّ الله. فإذا أنتَ أحببتَه فأنت معه وأنتَ فيه وهو فيك. وإذا أنتَ أحببتَ شهوتك وخطيئتك وكرهتَ الناس فأنتَ في الجحيم والجحيم فيك، وأنت مع الشيطان والشيطان يلازمك، وأنت بعيد عن وجه الله لأنّك ترتجف منه ولأنّك تبغضه بأعمالك.

لا تظنّوا أنّ الإنسان يحبّ الله لأنّه يتكلّم عليه ولأنّه يصلّي، هذا ليس بمحكّ. المحكّ أنّ الإنسان يحبّ الله إن أطاع وصاياه وأطاع الإخوة. وما الصلاة والأسرار المقدّسة والأصوام والجهادات الروحيّة كلّها إلاّ وسائل ضروريّة حتّى نصل إلى الجمال الروحيّ فينا الذي هو سُكنى الله.

نجتمع في القدّاس الإلهيّ لإيماننا بأنّ المحبّة الإلهيّة التي انسكبت على الصليب تنسكب في القدّاس الإلهيّ، الذي هو احتفال بالصليب الذي تمّ على الجلجلة واحتفال بالقيامة.

جاورجيوس مطران جبيل والبترون وما يليهما (جبل لبنان)

 

الرسالة: غلاطية ١: ١١-١٩

يا إخوة، أُعلمكم أنّ الإنجيل الذي بَشّرتُ به ليس بحسب الإنسان، لأنّي لم أَتسلّمه وأَتعلّمه من إنسان بل بإعلان يسوع المسيح. فإنّكم قد سمعتم بسيرتي قديمًا في ملّة اليهود أنّي كنتُ أَضطهدُ كنيسة الله بإفراط وأُدمّرها، وأَزيد تقدّمًا في ملّة اليهود على كثيرين من أَترابي في جنسي، بكوني أَوفر منهم غيرةً على تقليدات آبائي. فلمّا ارتضى الله الذي أَفرزني من جوف أُمّي ودعاني بنعمته إلى أن يُعلن ابنه فيّ لأُبشّر به بين الأُمم، لساعتي لم أُصغِ إلى لحم ودم، ولا صعدتُ إلى أورشليم إلى الرسل الذين قبلي، بل انطلقتُ إلى ديار العرب، وبعد ذلك رجعتُ إلى دمشق. ثمّ إنّي بعد ثلاث سنين صعدتُ إلى أورشليم لأَزور بطرس فأقمتُ عنده خمسة عشر يومًا، ولم أرَ غيره من الرسل سوى يعقوب أخي الربّ.

 

الإنجيل: لوقا ٨: ٢٧-٣٩

في ذلك الزمان أتى يسوع إلى كورة الجرجسيّين فاستقبله رجل من المدينة به شياطين منذ زمان طويل، ولم يكن يلبس ثوبًا ولا يأوي إلى بيت بل إلى القبور. فلمّا رأى يسوعَ صاح وخرّ له بصوت عظيم: ما لي ولك يا يسوع ابن الله العليّ، أطلب إليك ألاّ تعذّبني. فإنّه أمرَ الروح النجس بأن يخرج من الإنسان، لأنّه كان قد اختطفه منذ زمان طويل، وكان يُربَط بسلاسل ويُحبَس بقيود فيقطع الربُط، ويُساق من الشيطان إلى البراري فسأله يسوع قائلاً: ما اسمك؟ فقال: لجيون، لأنّ شياطين كثيرين كانوا قد دخلوا فيه. وطلبوا إليه ألاّ يأمرهم بالذهاب إلى الهاوية. وكان هناك قطيع خنازير كثيرة ترعى في الجبل. فطلبوا إليه أن يأذن لهم بالدخول إليها فأذن لهم. فخرج الشياطين من الإنسان ودخلوا في الخنازير. فوثب القطيع عن الجرف إلى البحيرة فاختنق. فلمّا رأى الرعاة ما حدث هربوا فأخبروا في المدينة وفي الحقول، فخرجوا ليروا ما حدث وأتوا إلى يسوع، فوجدوا الإنسان الذي خرجت منه الشياطين عند قدمي يسوع لابسًا صحيح العقل فخافوا. وأخبرهم الناظرون أيضًا كيف أُبرئ المجنون. فسأله جميع جمهور كورة الجرجسيّين أن ينصرف عنهم لأنّه اعتراهم خوف عظيم. فدخل السفينة ورجع. فسأله الرجل الذي خرجت منه الشياطين أن يكون معه، فصرفـه يـسوع قائلاً: ارجـع إلى بيتك وحدّثْ بما صنع الله إليك. فذهب وهو ينادي في المدينة كلّها بما صنع إليه يسوع.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

كلمة الراعي

القلب مسكن الله