...

كلمة الراعي أن نعيش مع المسيح

في إنجيل اليوم عجيبتان: عجيبة أولى هي شفاء المرأة النازفة الدم التي جاءت بالصدفة، لأنّ المقصود كان أن يشفي السيّد ابنة يايرس رئيس المجمع التي ماتت وهو في طريقه إليها. ما يهمّنا هو أن نرى أنّ كلّ نفس منّا تمثّلها المرأة النازفة الدم، وتمثّلها ابنة رئيس المجمع المائتة بآن واحد.

امرأة تنزف منذ اثنتي عشرة سنة وقد أنفقت أموالها على الأطبّاء. يضعنا الإنجيليّ لوقا أمام حادث يائس: امرأة لا تُشفى. ويأتي السيّد ويشفيها في الحال عندما مسّت طرف ثوبه، وقد أحسّ بأنّ واحدًا قد لمسه وبأنّ قوّة خرجت منه.

في مواجهتنا للسيّد يجب أوّلاً أن نلمسه، أن نقترب إليه اقتراب الحبيب إلى الحبيب، وينبغي، إذا صحّ التعبير، أن نصارعه كما قال الله في سفر التكوين (٣٢: ٢٤)، عندما تحدّث عن صراع يعقوب للملاك. ينبغي أن نصارع المسيح مصارعة حقّ بحيث نلتقي بقوّته وبحيث ينسكب الربّ فينا انسكابًا كلّيًّا، فنشبع من حضرته ونشبع بتعزياته وعندئذ نُشفى. تُشفى نفوسنا المكسّرة المعذّبة المحيّرة. وكلّ نفس إذا زادت شدّتها أو قويت الشدّة حولها في العالم لا بدّ من أن تكون مطروحة وكأنّها في جبّ. عندما لا يعلم الإنسان مصيره، عندما لا يعيش لا ليومه ولا لغده يكون يائسًا، تُستَنزف قواه وهو بحاجة إلى ملامسة المسيح. المسيح وحده قادر على أن يرفع عنّا الكابوس وأن يجعلنا في حضرته الطيّبة.

والصبيّة ابنة يايرس بعد أن دخلت الموت أمسك السيّد بيدها – وهنا أيضًا عندنا ملامسة – وناداها: «يا صبيّة قومي». قوّة المسيح تتسرّب حتّى إلى جراثيم الموت. وكما شُفيت النازفة الدم للحال هكذا رجعت إلى الصبيّة روحها في الحال. يشدّد الإنجيليّ لوقا على عبارة «في الحال» لأنّ الربّ يوجّهنا بكلّ ما فيه من قوّة وحياة.

في هذا المضمار لا يبدو الموت شيئًا غريبًا. كان الموت غريبًا قبل أن يجيء السيّد. كان عدوًّا لنا منقضًّا علينا بالخطيئة. ولكن بعد أن مات الربّ على الصليب صرنا جميعًا رفقاء موته. لذلك يقول لنا باستمرار: يا أيّها الابن المؤمن، يا أيّها الابن الذي متُّ أنا من أجله، قم أنت، قم من خطيئتك أوّلاً فهذه هي القيامة العُظمى.

إن نحن تدرّبنا على القيام من الخطيئة، إن عشنا مع المسيح أفلا نقوم أيضًا معه؟ الذين ييأسون عند دروب الموت، أو الذين يكفرون إذا ما غاب عنهم وجه حبيب، هؤلاء قوم غير مقتربين من المسيح في حياتهم، ولهذا يأتيهم الموت غريبًا كما كان يأتي الناس في العهد القديم والوثنيّين. نحن قوم لا تستهوينا الحياة حتّى النهاية ولا تستنزفنا الحياة. نحن قوم نعرف ونذوق أنّ هذه الحياة فانية لأنّنا إن لمسنا المسيح فلا يعزّينا شيء أو أحد عنه. فإن صرنا في معاشرة ليسوع نكون غرباء عن أشيائنا وذاتنا، وقد يذهب الرزق بلا ندامة. ولماذا لا تذهب الحياة عنّا أيضًا بلا ندامة إن كنّا نلاقيه بعدها.

نحن نقدّر الأشياء أكثر ممّا تستحقّ ولهذا نخاف عند الموت. نتعلّق بالناس كأنّهم مصدر حياتنا ويعسر علينا أن نذهب من الدنيا وكأنّنا مُقتَلعون من موت أو من مرض.

وأمّا إذا جعلنا أنفسنا في الحياة الأبديّة تستمرّ النعمة علينا في صلاة نرسلها إلى الربّ، نناجيه فنحن عشراء الحياة الأخرى إن أوتينا إليها، ونحن رفقاء المسيح الذي يطلبنا إلى وجهه. لذلك لا نتحسّر عند فراق شخص أو شيء مهما عزّ، وعلينا، فيما الدنيا تنتهي والناس يذهبون، أن نعرف أين حياتنا وأين قصدنا. وإذا تيقّنّا أنّ المسيح حياتنا نشتهي أن نُخطَف إليه بالمجد.

جاورجيوس مطران جبيل والبترون وما يليهما (جبل لبنان)

 

الرسالة: غلاطية ٢: ١٦-٢٠

يا إخوة، إذ نعلم أنّ الإنسان لا يُبرّر بأعمال الناموس بل إنّما بالإيمان بيسوع المسيح، آمنَّا نحن أيضًا بيسوع المسيح لكي نُبرَّر بالإيمان بالمسيح لا بأعمال الناموس، إذ لا يُبرّر بأعمال الناموس أحدٌ من ذوي الجسد. فإن كنّا ونحن طالبون التبرير بالمسيح وُجدنا نحن أيضًا خطأةً، أفيكون المسيحُ إذًا خادمًا للخطيئة؟ حاشى. فإنّي إنْ عدتُ أبني ما قد هدمتُ أَجعل نفسي متعدّيًا، لأنّي بالناموس مُتُّ للناموس لكي أَحيا لله. مع المسيح صُلبتُ فأَحيا، لا أنا، بل المسيحُ يحيا فيَّ. وما لي من الحياة في الجسد أنا أحياه في إيمان ابن الله الذي أحبَّني وبذل نفسَه عنّي.

 

الإنجيل: لوقا ٨: ٤١-٥٦

في ذلك الزمان دنا إلى يسوع إنسان اسمه يايرُس وهو رئيسٌ للمجمع وخرّ عند قدمَي يسوع وطلب إليه أن يدخل إلى بيته، لأنّ له ابنةً وحيدةً لها نحو اثنتي عشرة سنةً قد أَشرفت على الموت. وبينما هو منطلق كان الجموع يزحمونه، وإنّ امرأة بها نزفُ دمٍ منذ اثنتي عشرة سنةً وكانت قد أنفقت معيشتها كلّها على الأطبّاء ولم يستطع أحد أن يشفيها. دنت من خلفه ومسّت هُدب ثوبه، وللوقت وقف نزف دمها. فقال يسوع: من لمسني؟ وإذ أنكر جميعُهم، قال بطرس والذين معه: يا معلّم إنّ الجموع يضايقونك ويزحمونك وتقول من لمسني؟ فقال يسوع: إنّه قد لمسني واحد، لأّنّي علمت أنّ قوّةً قد خرجت منّي. فلمّا رأت المرأة أنّها لم تَخفَ جاءت مرتعدةً وخرّت له وأَخبرت أمام كلّ الشعب لأيّة علّة لمسته وكيف برئت للوقت. فقال لها: ثقي يا ابنة. إيمانُك أبرأك فاذهبي بسلامٍ. وفيما هو يتكلّم جاء واحد من ذوي رئيس المجمع وقال له: إنّ ابنتك قد ماتت فلا تُتـعب المعلّم. فسمع يسوع فأجابـه قائـلاً: لا تخف. آمن فقط فتبرأ هي. ولمّا دخـل البيت لم يدَعْ أحدًا يدخل إلاّ بطرس ويعقوب ويوحنّا وأبا الصبـيّة وأُمّها. فقال لهم: لا تـبكوا، إنّها لم تـمت ولكنّها نـائمة. فضحكوا عليـه لعلمهم بأنّها قد ماتت. فأمسك بيدها ونادى قائلاً: يا صبيّة قومي. فرجعت روحُها وقامت في الحال، فأمر بأن تُعطى لتأكل. فدهش أبواها، فأوصاهما بألاً يقولا لأحدٍ ما جرى.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

كلمة الراعي

أن نعيش مع المسيح