...

ثلاث فضائل للقديس ديمتريوس

سيرافيم ميتروبوليت كاستوريا (اليونان)

نقلتها إلى العربية صبا نعمة

يقول القديس غريغوريوس بالاماس في مديحه القديس العظيم في الشهداء ديمتريوس صانع العجائب والمفيض الطيب: “الأعجوبة العظيمة للمسكونة، الزينة العظيمة للكنيسة والأقدر من الجميع“.

ليس فقط هذا القديس المعاين الله بل وكتّاب عديدون في السنكسار والمدائح يقدمون احتراماً وتوقيراً للشهيد العظيم الحارس والمنقذ والمحارب عن مدينة تسالونيكي.

يَعتبِر نيكيفوروس غريغوراس (1330م) موتَ الاسكندر الكبير خسارة، بينما استشهاد القديس ديمتريوس فيعتبره ربحاً للعالم إذ ساهم بجعله عالماً أفضل.

ملأ قديسنا المسكونة شذى وطيباً “الصيف والشتاء وحتى الأبدية قد امتلأت من نعمته“. أما مدينته المحبوبة تسالونيكي فقد أضحت ليس حصناً روحياً ضد الهجمات الشيطانية وجحافل البرابرة وحسب، بل أيضاً ملجأً من عواصف هذا العصر … وحامية نفوسنا وأجسادنا”.

في المناطق الشمالية من اليونان وفي مكدونيا حيث يشعر المرء بحضور قداسته، يخصصون بإجلال بعض الأزهار الخريفية المدعوّة في بلادنا الديمتريات (agiodimitriatika)، وبحسب كوكب الأرثوذكسية الساطع القديس غريغوريوس بالاماس نزين بها شخصه.

المفخرة الأولى “إيمان لا يتزعزع“:

الإيمان ليس تعليماً نظرياً ولا تنظيماً فلسفياً يعنى بمفاهيم عليا. كما أنه ليس فكراً يصدر من عقل الإنسان. الإيمان هو حياة ويعود إلى مصدر الحياة الذي هو المسيح، هو الاتحاد في المسيح وتجلّي المسيح في القلب.

تبرز الكنيسة هذه الخبرة المعاشة بعد المشاركة في سر الحياة أعني سر الشكر. فعندما نشارك في الأسرار الطاهرة، مردد مع المرنّم التسبحة المؤثّرة “قد نظرنا النور الحقيقي وأخذنا الروح السماوي ووجدنا الإيمان الحق“.

يشّدد القديس غريغوريوس بالاماس “أنّا نؤمن بالله وأنّا نثق به” ويتابع: “اﻹيمان مختلف عن الثقة“. “أثق بالله” يعني أنّي على يقين أنّه صادق ولن يخلف بما وعدنا به. “أؤمن بالله” يعني أن أفكر فيه بشكل صحيح”. من هنا يكون الإيمان هبةً مقدسة وإعلاناً لله في القلوب النقيّة. هذا ما اختبره القديس ديمتريوس في حياته: “هذا ما أعطي له كهبة، هذا ما حفظه ككنزٍ لا يثمّن، حافظاً إياه مختوماً بدمه“

المفخرة الثانية “فيض النعمة الإلهية“:

يحتاج الإنسان إلى نعمة الله لكي يحفظ كنز الإيمان في وعاء ترابي وكما يقول الرسول بولس: “ويدوس الأفاعي والعقارب وكل قوة العدو“.

يتساءل القديس يوحنا الذهبي الفم: “إن كان بوسع الخطيئة تحقيق الكثير، فالنعمة، نعمة الله، ليس نعمة الآب فقط بل والابن، أفلا تحقق الأكثر؟“

كل شيء ينتفع بنعمة الله. هي تغفر لنا وتبررنا دون أن تبطل حرّيتنا، بل وتعلمنا الثقة بمحبة الله للبشر. إنها السلاح الأقوى، بحسب عندليب الكنيسة الذهبي: “إنها الحصن الذي لا ينصدع، والعمود الذي لا يتزعزع … كل شيء يتم بنعمة الله” (القديس يوحنا الذهبي الفم).

لو لم تكن لنا نعمة الله، لما كان لنا حضور الشهداء، اعترافاتهم وعجائبهم، زهد الأبرار ودموعهم، لما كان لنا حضور القديس ديمتريوس. إن كلمات القديس نسطر تلميذه وحدها: “يا إله ديمتريوس ساعدني” وفيض الطيب وتدفق النعمة من جثمانه تُظهر سكنى النعمة في قلبه كما في رفاته المقدسة حتى يومنا هذا.

المفخرة الثالثة “غنى الفضائل الإلهية“:

بحسب التقليد الأرثوذكسي، ترتبط الفضائل الإلهية بشخص المسيح وهي ناتجة عن الحياة في المسيح (المتروبوليت إيروثيوس نافباكتوس). ليست هي قيماً وأفكاراً مجرّدة بل هي المسيح نفسه. إن الذين يحبَّون يحرزون المحبة نفسها التي هي المسيح.

يشدّد القديس يوحنا الذهبي الفم بأن الفضيلة هي الطريق إلى الملكوت التي نعبرها بالأحزان والدموع، إنها صعبة، ولكن مبهجة. الفضيلة هي الحالة الطبيعية للروح، بينما الرذيلة هي عدوة طبيعتنا. كما هي حال الصحة بالنسبة إلى طبيعتنا كذلك الداء والمرض ليسا من طبيعتنا. الفضيلة تساعدنا للانتقال إلى الحياة الخالدة، “الفضيلة وحدها هي القادرة وتستطيع الانتقال معنا، وحدها تستطيع العبور إلى الحياة الخالدة” (القديس يوحنا الذهبي الفم). لكي ندخل بغلبة إلى الملكوت السماوي “لنسعى إلى اقتناء الفضائل في الوقت المتبقي لنا على الأرض“.

تحلّى القديس ديمتريوس بكل الفضائل، فأضحى مبشراً ومعلماً متّقد الغيرة في عصر الإثم. إنه بطلٌ شجاعٌ مقدامٌ، أبٌ عطوف وقائدٌ لتسالونيكي. فليرفع يديه أمام عرش الحمل المذبوح طالباً أن يمنحنا: إيماناً لا يتزعزع وفيضَ النعمة الإلهية وغنى الفضائل الإلهية. آمين

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

ثلاث فضائل للقديس ديمتريوس