...

الأسبوع العظيم المقدس في احد الشعانين

هكذا يدخل يسوع إلى أورشليم بالوداعة والتواضع ليكمل خلاصنا “ويتكلم بالسلام للأمم” ويبسط سلطانه بالمحبة على العالم ويقيم معنا وفينا إلى الأبد. يجلس على جحش ليحل بهيمية الأمم التي كانت عقيمة لأنها لم تعرف محبته. ونشدّ أنفسنا إليه كما لم تكن مشدودة لعلمنا بأنه يحررنا من وطأة الخطيئة ووطأة الخوف. اليوم ندشن أسبوع الآلام المقدسة فتقيم الأحد مساء والاثنين والثلاثاء صلاة الختن أي صلاة المسيح العريس الذي سيجعل كل نفس تائبة عروس له. ها نحن مرافقوه إلى أورشليم لنتقبل الحياة من موته. سوف نراه مسمرا على الصليب ونتبعه إلى القبر حتى نشاهده قائما من بين الأموات لننال منه فصحاً طيبا.

سنحشر أنفسنا في الصلوات لتتضح رؤيتنا لسره وهي تبيد خطايانا. في هذه العبادات قراآت من العهد القديم بما في ذلك المزامير تتحدث كلها عن الحَمَل المذبوح من اجلنا ورسائل وأناجيل تتكلم عن الخلاص الذي نلناه بتطوعه للموت. هذه وتلك تُسرَد في إطار صلوات وترانيم تدفعنا الى التمسك به حياة لنا. فاذ ا قرأنا مثلا عن آلام أيوب وصبره نفهم انه كان صورة عن المخلص , ونتنبه لئلا نقع في الغفلة. “ها الختن يأتي في نصف الليل ” ليزيل الظلام عن النفس ويطلقها في التسبيح حتى تختلي معه في ذلك العرس الروحي الذي يجعلها تنسى ما كانت تعشقه قديما: “إنني أشاهد خدرك مزينا يا مخلصي ” والخدر في اللغة الغرفة الزوجية والفكرة أن النفس بعد أن كانت مخطوبة للمسيح ترجو لقاء الاتحاد معه والاتحاد بيننا وبين المخلص تم على الصليب. ولكن الإنسان المدنس لا يدخل. يحتاج إلى لباس العرس الذي هو التوبة.

وندرك قمة من قمم التوبة الثلاثاء مساء في الترنيمة الشهيرة:” يا رب إن المرأة التي سقطت في خطايا كثيرة”. أما الأربعاء مساء فنقيم صلاة الزيت المقدس التي تريدنا الكنيسة أن نتممها للمرضى في بيوتهم في صيغتها للمرضى في بيوتهم في صيغتها الطويلة أو صيغتها القصيرة. ولست اعلم لماذا ومتى سقط سر مسحة الزيت هذا من منازلنا في بيوتهم في صيغتها الطويلة أو صيغة قصيرة. ولست اعلم لماذا ومتى سقط سر مسحة الزيت هذا من منازلنا في الكرسي الأنطاكي ولا شيء يمنع أي كاهن من تجديد ذلك بنفسه لما فيه من نفع للمريض.وهكذا ينتهي النصف الأول من أسبوع الآلام.

الخميس صباحا ذكرى العشاء السري. وفي القديم كان يقام مساء لأنه يتم في سياق صلاة الغروب ولعلّه قُدِّم إلى الصباح لان المؤمنين يؤثرون سماع أناجيل الآلام مساء. ونتلو, إذ ذاك, كل روايات الآلام كما وردت في الأناجيل الأربعة ومستهلها الخطاب الوداعي كما ورد في بشارة يوحنا وهو ذروة من ذرى اللاهوت اليوحنائي. والمؤمنون متعلقون بالطواف بالصليب الذي يجري بعد الإنجيل الخامس:” اليوم عُلِق على خشبة”. وهذا الطواف ظهر في القرن الماضي في الكرسي الأنطاكي وعمَّ الكنائس اليونانية.

غير أن الاستمتاع بالمعاني اللاهوتية للآلام هو في خدمة الساعات الملوكية التي تتلى في صبحية الجمعة العظيمة. المزامير تنصّب مباشرة بما ذاقه المخلص من أوجاع:” الهي, الهي لماذا تركتني”. والنبؤات تطل مباشرة على سر الفداء:” وزنوا أجرتي ثلاثين من الفضة ( زخريا النبي) او “كنت أنا كخروف بريء من الشر يُساق إلى الذبحْ” (ارميا) حتى نبلغ القمة مع اشعياء:”لا صورة له ولا بهاء فننظر اليه ولا منظر فنشتهيه…انه قد أخذ عاهاتنا وحمل أوجاعنا…. جُرح لأجل معاصينا وتألم لأجل آثامنا…. كشاة سيق إلى الذبح وكحمل صامت أمام الذين يجزّونه ولم يفتح فاه”.

وفي صلاة الغروب بنهاية الساعات يُطاف بالإبيتافيون ( بالعامة النعش) ليضع في صحن الكنيسة ويُكرّم في الجناز. وخدمة الجناز هي خدمة صلاة السحر للسبت العظيم. ننشد للمسيح المدفون ونحن في ذهول وفي انتظار القيامة. “أنزلوك القبر / يا يسوع الحياة / فمراتب الملائكة انذهلت / كلها ومجدت تنازلك /”. فتتوالى التقاريظ نعظم فيها المسيح معطي الحياة. ونتوغل في تمجيد من كان خلاصنا المحيي وربيعنا الحلو ونشرف على السبت العظيم ” الذي فيه استراح ابن الله الوحيد من كل أعماله لما سبت بالجسد بواسطة سر التدبير المكمل بالموت”.

أما يوم السبت العظيم ففي أواخر الصبيحة نقيم القداس الإلهي الذي كان في ما مضى قداس العيد. المسيح في سكون القبر وناهد الى القيامة. ونلتمس نهوضه من القبر:” قم يا الله واحكم في الأرض”. نريدها فاعلة في نفوسنا.

شرط رؤيتنا لها أن ” يصمت كل جسد بشري…. ولا يفكر في نفسه فكرا ارضيا البتة”. في تلك الليلة العظيمة كنا نُعَمّد الموعوظين أي أولئك الوثنيين الذين آمنوا وتعلموا الإيمان فان المعمودية كانت لهم قيامة من بين الأموات.

وإذا تدرجنا من يوم إلى يوم بتكثيف التو بات ولمسنا محبة الله لنا تتجلّى بآلام المخلص نكون متأهبين لاستقبال الفصح.

الأسبوع العظيم المقدّس بكامل أحداثه ومعانيه يُشكّل وحدة مترابطة ترابطا محكما0 الأيام الثلاثة الأولى تذكّرنا بهدف الرحلة الصومية التي قطعنا شوطا كبيرا منها، إلا وهو انتظار العريس الآتي: “ها هوذا الختن (العريس) يأتي في نصف الليل فطوبى للعبد الذي يجده مستيقظا…”0 هذه الدعوة إلى انتظار العريس، المستوحاة من مثلَيْ العذارى (متى 25: 1-13) والوكيل الأمين (لوقا 12: 35-40)، تردّنا إلى ما أوصى به السيد، في ما كان يحدّث تلاميذه عن مجيئه الرهيب في اليوم الأخير، لمّا قال لهم “اسهروا” (مرقس 13: 33-37)0 وصيّة السهر -الذي نعيش مدلوله بقوّة في هذا الأسبوع- تدلّ على طبيعة جماعة يسوع وعملها (الإعلان عن اليوم الأخير) في هذا الزمن الرديء، وهذا، لا شكّ، تستطيعه إذا سمّرَتْ عينيها على “خدر المسيح” (الخدر هو الغرفة الزوجية)، وأدركت أنها بقدرتها “لا تملك رداء للدخول إليه”، وانه وحده يعطيها الحلّة الجديدة إذا ما اتّخذها لنفسه عروسا على الصليب0

الأمثال الثلاثة التي يطالعنا بها إنجيل خدمة القدسات السابق تقديسها (متى 24: 36-26 :2) تتحدث عن النهاية واليوم الأخير الذي يختبئ السيد وراء بشريته، عندما يعلن أن تلك الساعة لا يعرفها أحد إلا “الآب وحده”0 المثل الأول في التلاوة هو مثل العبد الرديء الذي يفاجئه سيده في يوم لا ينتظره وفي ساعة لا يعرفها ويجعل نصيبه مع المرائين، لأنه لم يكن حكيما ولا أمينا على العمل الذي أقيم عليه0 والمثل الثاني هو مثل “العذارى العاقلات والعذارى الجاهلات”، وهو قصة فتيات عشر، خمس منهن حكيمات في استعدادهن لانتظار الرب الذي يفسره زيت آنيتهن، وخمس جاهلات من حيث إن مصابيحهن، التي هي رمز إلى نفوسهن، لم تكن مهيأة لاستقبال العريس عندما أتى ودخلت معه المستعدّات إلى العرس0 لا شكّ أن الزيت هو رمز إلى الإيمان والأعمال كما فسّر آباؤنا القديسون0 ما يُظهره هذا المثل هو أن الزيت شخصيٌّ ولا يمكن استعارتُهُ، وأن النفس التوّاقة إلى الرب تُكَوِّنُ طاعتُها لكلمته المحيية شوقها اليه0 ويُعلّم هذا المثل مع “مثل الوزنات” الذي يتبعه أن الرب سَيَدِينُ الناس على أساس حكمته الأزلية التي كُشِفت في ابنه يسوع، وليس على أساس ظنونهم وتبريراتهم، ويذكّرنا بأن لا نبرّر نحن أنفسنا، فالحكيم هو مَن صدّق خبر الرب وبنى حياته عليه وانتظر، بتيقّظٍ، ما سوف يُكشَف في اليوم الاخير0

في مساء يوم الأربعاء المقدّس ذاته نقيم صلاة الزيت المقدّس، التي تشاء الكنيسة أن نتمّمها للمرضى في بيوتهم0 هي عزاء يتقبله المؤمنون ليدخلوا بنقاء اكبر في صلوات النصف الثاني من أسبوع الآلام.

يُدخلنا يوم الخميس العظيم في السر الفصحي0 تتميّز صلوات هذا اليوم بثلاثة أحداث، هي: عشاء الرب الأخير مع تلاميذه وغسله أرجلهم، وخيانة يهوذا0 الحدثان الأولان يكشفان ذروة محبة الرب المخلّصة العالم، بينما خيانة يهوذا تُظهر سرّ الإثم الذي هو انحراف المحبة وتشويهها نحو شيء لا يستحق المحبة0 سرُّ الإثم هذا هو الذي دفع المسيح إلى الصليب0

يقودنا يوم الجمعة العظيم إلى الجلجلة0 في الكنيسة الأولى سمّي هذا اليوم “فصحَ الرب”، لأنه واقعيا، بدءُ الفصح الذي سيتضح معناه لنا تدريجيا في روعة السبت العظيم المبارك وفرح القيامة0

يبدأ هذا اليوم بخدمة أناجيل الآلام التي تقام مساء الخميس، فنتلو كل روايات الآلام (اثنتي عشرة تلاوة) كما وردت في الأناجيل الأربعة، لكي لا يفوتنا شيء من بهاء محبة السيد وخلاصه0 بعد تلاوة الإنجيل الخامس يُطاف بالصليب المقدس ويؤتى به إلى وسط الكنيسة، وذلك أثناء ترتيل: “اليوم عُلِّق على خشبة…”0 وبعد أن يُثبت في موضعه يسجد المؤمنون أمام مظاهر تواضع السيد الطوعيّة0

تأخذ الساعات الملوكية، التي تُتلى صباحا، محلّ القداس الإلهي، وذلك “لأن الامتناع عن إقامة القداس في هذا اليوم يعني أن سر حضور المسيح لا يخصّ هذا العالم، عالم الخطيئة والظلمة، ولكنه سرّ العالم الآتي”0 تضعنا هذه الصلوات أمام صليب المسيح وتدعونا إلى التأمل في الحدث وتمجيد محبة الله العظمى0 لقد أُلقي القبض على المسيح، ولكنه صبر “ليُكَمِّل” ما قد أعلنه بأنبيائه قديما، فَحُكِم عليه بالموت، وأنكره بطرس وشتمه، ومدّ يديه على الصليب، و”عُلِّق على خشبة”0

بعد الساعات تُقام صلاة الغروب التي تُدعى “خدمة الدفن”0 يطاف خلالها بالنعش (وهو عبارة عن قطعة من القماش رُسمت عليها صورة المسيح في حالة الموت) ويوضع في صحن الكنيسة وفوقه كتاب الإنجيل ليُقبِّلَهما المؤمنون، فيما ينشد المرتّلون: “إن يوسف المتّقي أَحدرَ جسدَكَ الطاهر من العود، ولفّه بالسباني النقية وحنّطه بالطيب وجهّزه وأضجعه في قبر جديد”0

تقودنا صلاة (الجناز) إلى قبر السيد، فالتسابيح الثلاثة تجعلنا نذهل أمام موته وقبره، فنشدو له ونحن في انتظار القيامة، متحيّرين كيف وُضع الحياة “في قبر”0 وتتوالى التقاريظ نُعظِّم فيها المسيح “معطي الحياة”، ونتغنى بسره ممجدين مَن كان “خلاصنا المحيي” و “ربيعنا الحلو”0 ونُشْرِفُ على سبت الخليقة الجديد “الذي فيه استراح ابن الله الوحيد مِن كل أعماله، لما سَبَتَ بالجسد بواسطة سر التدبير الصائر بالموت”0

ما تريد خدمة اليوم أن تعلنه هو أن الموت أُميت0 وذلك أن الكنيسة، تصرّح، في ما تنتظر الفصح، عن حدث يقوم قبل يوم الفصح، لا ليستبدل الفرح بالحزن، وإنما الحزن ذاته يتحول فيه إلى فرح0 السبت العظيم هو يوم هذا التحول الذي ينمو فيه النصر من داخل الهزيمة0 لقد مات مَن (يسوع ابن الله) يستطيع أن يحمل الموت البشري ويتغلب عليه ويحطّمه من الداخل0 مات حياةُ الكل ونبعُ كل حياة من اجل الكل، ولذلك كل ما يحدث لحياته يحدث أيضا للحياة ذاتها0 هذا النزول إلى الجحيم جابه فيه يسوع موتَ كلِّنا وانتصر عليه0

صباح اليوم التالي نقيم القداس الإلهي0 تعلن تراتيل الغروب بداية غلبة المسيح على الجحيم والموت: “اليوم الجحيم تنهدت صارخة: لقد كان الأجدر بي أن لا أَقبل المولودَ من مريم، لأنه لمّا أَقبل نحوي حَلَّ اقتداري وسحق أبوابي النحاسية… فالمجد لصليبك، يا رب، ولقيامتك”0

تذكر أول النبوءات الثلاث في الخدمة قصة الخلق، وهذا يناسب خدمة المعمودية التي كانت تقام في تلك الليلة العظيمة0 معمودية الموعوظين، أي أولئك الذين كانوا قبلا وثنيين فارتَدُّوا وتعلَّموا الإيمان، هي لهم ولادة جديدة، خَلْق جديد، وهي أيضا قيامتهم من بين الأموات0 تهيئنا قصة الفصح الموسوي التي ترويها التلاوة النبوية الثانية للفصح الجديد، أما قصة الفتية الثلاثة الذين طُرِحوا في أتون النار لأنهم رفضوا السجود لتمثال الذهب، فتطالعنا بها التلاوة النبوية الثالثة، وهي ترمز إلى غلبة المسيح القائم من بين الأموات0 الرسالة هي للمعمودية0 أما الإنجيل فهو أول نص تُسمعنا إياه الكنيسة في زمن الفصح يتحدث عن القيامة، فيصف زيارة النسوة للقبر، وإعلان القيامة على لسان الملاك، واجتماع الكهنة اليهود، وأخيرا ظهور يسوع الرب لتلاميذه المجتمعين في الجليل0

ننتظر في السبت العظيم المقدّس يوم الفصح العظيم ونمتد اليه0 يبقى أن شرط رؤيتنا إياه هو: “أن يصمت كلُّ جسد بشري… ولا يفتكر في نفسه فكرا ارضيا”0 هذا التحذير من الفكر الأرضي، الذي تُسمعنا إياه ترتيله الدخول الكبير في القداس الإلهي، يذكّرنا -في آخر يوم قبل الفصح- بأن التوبة، كما ذقنا معانيها طيلة الأسبوع، هي التي تمكّننا وحدها من التأهب لاستقبال الفصح العظيم0

الأسبوع الأخير

ـــــــــــــــــــ

نحن في الأسبوع الأخير من الصوم وينتهي بسبت لعازر ومن بعده احد نفتتح به صوما اشد وأقوى جهادا0 فإذا تهـاونت حتى الآن فاقترب من المسيح في إمساك كامل (ما لم تكن مريضا) وفي مشاركـة الصلوات التي تقام في رعيتك حتى يجدك الأسبوع العظيم المقدس أكثر تأهبـا للحب0

هذا الأحد الخامس تنتصب أمامنا أمنا البارة مريم المصريـة، هذه التائبـة الملحـة في توبتها حتى النصر، المتوغلـة في الدنس صارت كلها نورا وهي على الأرض تدعو كل من اختلطت نفسـه بالخطيئـة إلى الثقـة باللـه الغفـور0 ذلك أن اللـه لا ينظر إلى قلوبنا ليغفر ولكن إلى قلبـه0 في هذا اليـوم يريدنا الرب أن ننسلخ عن كل ما يعيقنا عن استلام محبتـه فنقـول في صلاة السحر: “ليس ملكوت الله طعاما وشرابا بل بر ونسك مع قداسـة” وتجد البر عند الذين يضعون كنـوزهم في أيدي المساكين”0 العطاء هو الامتحان الأكبر للإخلاص لأنـه تعبير كبير عن الرحمـة0 أعطِ كنيستك المحليـة كثيرا وهي تعرف أن تقـول في العيد محبتها للفقـراء0 هؤلاء لا يلتقـون الفصح ما لم يظهر لهم إخوتهم أنهم محبوبون0

تذكر أن الصوم بلا مشاركـة على هذا الصعيد مجرد حمْيـة تافهـة0

تلـك هي خدمـة اللـه الحي التي تذكرها رسالـة بولس المنشورة هنا0 واليوم يتنبأ السيد للمـرة الثالثـة عن آلامـه وقيامتـه قائلا: “هو ذا نحن صاعدون إلى أورشليم وابن البشر سيسلم إلى رؤساء الكهنـة والكتبـة فيحكمون عليه بالموت … ويقتـلونـه وفي اليوم الثالث يقوم”0 وفي نهايـة التـلاوة الإنجيلية يعلمهم عن التواضع: “من أراد أن يكون عظيما فيكم فليكن لكم خادماً0 هكذا نُميت شهـوة التسلط الناتـج عن الكبـرياء0 ولعلها أفتـك شهـوة فينا0

وتتوالى أيام التقديس ونحن منتظـرون الشعانين ويبدأ منذ الاثنين غدا الحديث عن ألعازر0 هذا تقليدنا في الكنيسـة أن المواسم العظيمـة نذكرها قبل أن تحل ونتذكرها بعد أن تحل0 فلا يكون يوم في هذا الأسبوع دون أن نعود بالتأمـل إلى قدرة المسيح التي تجلت في بعثـه لصديقـه ألعازر لعلمنا بأن هذا الحدث إنما كان عند المخلص صورة مسبقـة عن قيامتـه هو0 فالمـؤمنـون خلال الصوم كلـه وبخاصة في هذا الأسبوع يتوقون إلى الفصح لأنـه هو الحياة والرجاء في وسط شقـاء العالم0

وتنتهي هذه الحقبـة بذكرى قيامـة من نسميـه “القديس ألعازر الصدّيق” الذي أراد الفريسيون قتلـه من بعد قيامتـه فهرب إلى جزيرة قبرص وأقام هناك ويقـول تراثنا أن الرسل انتخبـوه رئيس كهنـة على مدينـة كيتيـون التي هي لارنكا اليوم0 ومات ثانيـة، وفي ذكراه نتلـو روايتـه كما وردت في انجيل يوحنا وقد اعتاد شبابنا الأنطاكي أن ينشد هذه المعجزة بالشعر العامي طائفـا على الرعيـة0

هذا حدث في بيت عنيا وقد بدّل المسيحيون اسمها إلى العازاريـة في فلسطين حيث يقوم ديـر أرثوذكسي حتى يومنـا هذا0 ويسرد يوحنا الرسول تفاصيل الحادثـة0 ولعل أهم ما فيها حوار المعلـم مع مرتا أخت القديس لما قالت ليسوع: “يا رب لو كنت هاهنا لم يمت أخي”..” فقال لها يسوع: “سيقـوم أخـوك0 فقالت له مرتا: أنا اعلم انه سيقوم في القيامة في اليوم الأخير0 فقال لها يسوع: أنا القيامـة والحياة0 من آمـن بي وان مـات فسيحيا”.

ليس أن السيد يقلـل من أهمية القيامة الأخيرة فهو يعلّـم عنها في بشارة يوحنـا بقولـه: “الذيـن عملوا الصالحات يقومـون إلى قيامـة حياة والذين عملوا السيئات إلى قيامـة دينونـة”0 غير أن المخلص أراد هنا أن يربط القيامـة بكونـه هو القيامـة، هو سببها0 وهذه هي ميزة إيماننا المسيحي إذا قيس بعقائد الآخرين الذين عندهم معرفـة القيامـة0 عندنا نحن هي ثمرة قيامـة المسيح0 هذا هو فاعل القيامة الأخيرة0 ولكن قبـل أن تحل هذه فلكل منـا قيامتـه اليوميـة مـن الخطيئـة التي هي الميتـة الكبيرة0 نحن نتحرر منها بفضل الذي قال: “أنا القيامـة والحيـاة”0

من بعد هذا الحدث الذي هو أعظم عجائب السيد من حيـث معنـاه وقـوتـه كان ينبغي للـرب أن يدخـل إلى أورشليم ليتـمم سـر المحبـة الذي كـان في صدر الآب منذ الأزل0 سبـت ألعازر يتخذ معنـاه الكامـل في سبـت النـور

0

جاورجيوس مطران جبيل والبترون وما يليهما(جبل لبنان

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الأسبوع العظيم المقدس في احد الشعانين