...

أحد الفصح المقدّس كلمة الراعي من فصح يسوع إلى فصحنا

في الفصح ينسكب علينا نور المسيح فيضًا من لدن الآب السماويّ ليغسل أوساخنا ويـبيّض نفوسنا. يَدخل هذا النور إلى ثنايا النفس فيغسل ماضيها وجروحاته، ويبارك حاضرها وينير تحدّياته، ويقدّس مستقبلها ويفتحه على خيرات الدهر الآتي.

نور المسيح ينير العقل لمعرفة إرادة الآب السماويّ، ويشحذ الإرادة لنجسّدها في حياتنا، ويطهّر القلب من أدران الأنانيّة ليصير إناء لمحبّة الله. نور المسيح يلهم النفس كلّ صلاح وخير وبرّ، يوضح كلّ معنى، ويكلّل كلّ معاناة. نور المسيح يصلح الشوائب، يرمّم ما تصدّع من طاقات، يحفّز الهمم، يحمل المعاني، يكشف المقاصد، يرتّب الأولويّات، يفتح الأبواب. نور المسيح نعمة مجّانيّة، هبة سماويّة، عمل الروح القدس، حكمة الدهر الآتي في هذا العالم.

منذ قيامة يسوع من القبر وحياة القائم تسري في دمائنا وأجسادنا بفعل المناولة المقدّسة، وتتّحد به نفوسنا بعمل الروح القدس فينا، وتستنير أذهاننا بالتأمّل في حكمة الله وصنائعه العظيمة التي لا تُحصى، ويزيد إدراكنا بفعل العِشرة مع الله في الصلاة ودراسة الكلمة الإلهيّة وبداعي خدمتنا الباذلة لإخوتنا. هذا حاصل إنْ آمنتُ بعطيّة الله المجّانيّة لي في المسيح يسوع، إنْ اتّضعتُ أمامه وأمام إخوتي وأترابي، إنْ أحببتُ كما هو أحبّني، إنْ غفرتُ كما هو يغفر لي، إنْ خدمتُ من دون منّة، إنْ صلّيتُ بانسحاق قلب، إنْ تناولتُ الكتاب المقدّس بالدراسة وفهمها الصحيح ووضعه موضع تطبيق، أي إنْ حاولتُ وسعيتُ في عيش إيماني من قلبي.

في عيد الفصح تنفتح صحفة جديدة في حياتنا إذا ما غفرنا ما أساء كلّ واحد منّا إلى الآخر، وتتّسع واحة سلام في قلبنا إذا ما جعلنا للآخر مكانًا فيه أوسع وأرحب، وتتوطّد بيننا علاقة الأخوّة في المسيح إذا ما قبلنا بعضنا بعضًا بعد أن تُبنا معًا إلى المسيح، ويتعزّز رباط سلام ووحدة لأنّ المسيح هو مَن جمعنا.

هذه الخيرات هي وليدة الفصح إذ في المسيح «كانت الحياة» وحياته «كانت نور الناس»، وهي أيضًا «النور الحقيقيّ الذي ينير كلّ إنسان آتيًا إلى العالم» (يوحنّا ١: ٤ و٩). تعلّمنا من التاريخ ومن الخبرة أنّ البعض قَبِل هذه الخيرات بفرح وامتنان وفهم، وهؤلاء زيّنوا ملكوت الله بالنور الذي عكسوه على محيّاهم وترجموه في أفعالهم وعبّروا عنه بأقوالهم وسلّموه إلى أجيال من بعدهم ينيرون على أترابهم بالشهادة الصادقة والخدمة المتفانية لقضيّة الإنسان كما عاشها يسوع، ولقضيّة الله كما شهد لها المسيح. نعم، «الكلمة صار جسدًا وحلّ بيننا، ورأينا مجده، مجدًا كما لوحيد من الآب، مملوءًا نعمة وحقًّا» (يوحنّا ١: ١٤).

هذا كلّه وضعنا في مسرى جديد، دعاه الإنجيليّ يوحنّا «ولادة من فوق»، ولادة إنسان تصوّر على شاكلة المسيح، فلم يبقَ مجرّد صورة واهية لإله مثاليّ، أو متلقٍّ سلبيّ لإشارات ما ورائيّة، أو متأمِّلًا فارغًا في معارف فلسفيّة، بل محقِّقًا في نفسه

خُلُق الله ومعاونًا خلّاقًا لخالق يعتني بخليقته. والحصيلة كانت مذهلة: «أمّا كلّ الذين قبلوه فأعطاهم سلطانًا أن يصيروا أولاد الله، أي الذين يؤمنون باسمه، الذين وُلدوا ليس من دم، ولا من مشيئة جسد، ولا من مشيئة رجل، بل من الله» (يوحنّا ١: ١٢-١٣). هذه الخليقة الجديدة برزت في قيامة المسيح وحمل مشعلها المؤمنون به وحقّقوها في حياتهم على الأرض وحملوا ثمارها في ملكوت السماوات والتي نعاينها في الكنيسة. ما أجملها وأشهاها من ثمار! ما أحلاها وأبهاها من رؤية! أمام هؤلاء نهتف طوعيًّا: «المسيح قام»! فيجيبوننا: «حقًّا قام»! هذا لأنّهم والمسيح باتوا واحدًا في جسده المصلوب عنّا والقائم من أجلنا. ما أكرمها من بشارة! إنّها الشهادة للنور التي حملها إلينا يوحنّا المعمدان (يوحنّا ١: ٧) ومن بعده شهود قيامة المسيح الكثر، جيلًا بعد جيل! فالشكر لك يا الله على عطيّتك لنا في يسوع وقدّيسيك في هذا الفصح وكلّ فصح!

+ سلوان متروبوليت جبيل والبترون وما يليهما (جبل لبنان)

الرسالة: أعمال الرسل ١: ١-٨

إنّي قد أنشأتُ الكلام الأوّل يا ثاوفيلس في جميع الأمور التي ابتدأ يسوع يعملها ويُعلّم بها إلى اليوم الذي صعد فيه من بعد أن أوصى بالروح القدس الرسلَ الذين اصطفاهم، الذين أَراهم أيضًا نفسَه حيًّا بعد تألّمه ببراهين كثيرة وهو يتراءى لهم مدّة أربعين يومًا ويُكلّمهم بما يختصّ بملكوت الله. وفيما هو مجتمع معهم أوصاهم بألّا تبرحوا من أورشليم بل انتظروا موعد الآب الذي سمعتموه مني، فإنّ يوحنّا عمّد بالماء وأمّا أنتم فستعمَّدون بالروح القدس لا بعد هذه الأيّام بكثير. فسأله المجتمعون قائلين: يا ربّ أفي هذا الزمان تردّ المُلك إلى إسرائيل؟ فقال لهم: ليس لكم أن تعرفوا الأزمنة أو الأوقات التي جعلها الآب في سلطانه، لكنّكم ستنالون قوّة بحلول الروح القدس عليكم وتكونون لي شهودًا في أورشليم وفي جميع اليهوديّة والسامرة وإلى أقصى الأرض.

الإنجيل: يوحنّا ١: ١-١٧

في البدء كان الكلمة، والكلمة كان عند الله، وإلهًا كان الكلمة، هذا كان في البدء عند الله. كلٌّ به كان، وبغيره لم يكن شيءٌ ممّا كوِّن. به كانت الحياة والحياة كانت نور الناس، والنورُ في الظلمة يضيء والظلمة لم تُدركه. كان إنسان مرسَل من الله اسمه يوحنّا. هذا جاء للشهادة ليشهد للنور، لكي يؤمِنَ الكلُّ بواسطته. لم يكن هو النور بل كان ليشهد للنور. كان النورُ الحقيقيّ الذي ينير كلّ إنسان آتٍ إلى العالم. في العالم كان، والعالم به كُوِّن، والعالم لم يعرفه. إلى خاصّته أتى وخاصّته لم تقبله، فأمّا كلّ الذين قبِلوه فأَعطاهم سلطانًا أن يكونوا أولادًا لله الذين يؤمنون باسمه، الذين لا من دمٍ ولا من مشيئة لحمٍ ولا من مشيئة رجلٍ لكن من الله وُلِدوا. والكلمة صار جسدًا وحلَّ فينا (وقد أبصرْنا مجده مجدَ وحيد من الآب) مملوءًا نعمة وحقًا. ويوحنّا شهد له وصرخ قائلًا: هذا هو الذي قلتُ عنه إنّ الذي يأتي بعدي صار قبْلي لأنّه مُتقدِّمي، ومن مِلئه نحن كُلّنا أخذنا، ونعمةً عوض نعمة، لأنّ الناموس بموسى أُعطي، وأمّا النعمة والحقّ فبيسوع المسيح حصلا.

Raiati Archives

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

أحد الفصح المقدّس

كلمة الراعي

من فصح يسوع إلى فصحنا