...

الفصح للمطران جورج خضر

هذه هي قصّة الفصح: خُلِقَ الإنسان في نعيم واحتال الشيطان عليه فعصا، فأخرجه إثمه من جنّة كان فيها أليف ربّه فصار الشقاء حليفه. والشقاء ألم وخطيئة فموت. فأخذ الإنسان يحنّ إلى الفردوس المفقود. ولكنّ أشواقه لم تكن سوى مطلّات على سلام أضاعه. لم تكن هي ملكوت السلام.

لم تكن لدى الإنسان قدرة على اجتياز هذه الهوّة التي أقامها بينه وبين ضالّته. (…) فكانت لله محاولات شتّى لافتقاد الإنسان. أنار عقله فلم يصل العقل إليه ثمّ جاء بالشريعة فلم تهده ولكنّها فضحت ذنبه وكشفت له عجزه. ثمّ كانت النبوءة أبعد أثرًا من الناموس وكادت أن تكون صلة الوصل. ولكنّها، على قوّتها، لم تكن بالنهاية سوى كلمة مرسَلة، أمر يُقاوَم.

ظلّ القلب البشريّ متحيّرًا حتّى لم يترك الله له مجال الحيرة. فقال الله: إذا كان الإنسان لا يفهم بالشرائع والكتب فسأصير له أنا بنفسي كتابًا وسنّة. سأخطب ودّه. سأغريه بالحبّ. إذا نزلتُ إليه إنسانًا مثله. لن أظهر له بالرعد والقسوة. لن أكون هذه المرّة مؤذيًا ولا ديّانًا لئلّا يرهبني ويدّعي أنّني اغتصبت حرّيّته اغتصابًا، وفرضت عليه ألوهتي فرضًا. فأطرح نفسي بين يديه طفلًا يستطيع أيّ ملك أبله أن يخنقه. سأذوق ما ذاق في إنسانيّته، في تجاربها حتّى ثمالة الموت.

(…) سيكلّل الصليب أطهر حياة عيشت على الأرض. قُضيت ببساطة الله وكثافة الله. (…) ولكنّ الصليب ذاته ليس آخر المطاف… «لماذا تطلبن الحيّ بين الأموات. إنّه ليس ههنا لكنّه قد قام». من هنا انطلق الفصح والمسيحيّة معه. (…) الفصح هو الاعتقاد الكامل بأنّ كلّ شرع وكلّ محاولة حضاريّة وكلّ مسعى بشريّ صائر بالنهاية إلى العدم ما لم يشمل تواضع المسيح ولطفه قلوب البشر.

والفصح يعني أنّ المسيح وهو القيامة والحياة قد طرق لكلّ ذي جسد القيامة من الموت. «قام المسيح وليس من ميت في القبور». مَن أطلّت عليه أنوار السيّد الظافر لن يبقى أسير شقاء ولا مرميًّا في وحشة الألم. فالمسيح في سرّ تواضعه رفيق أوجاعنا كلّها والمسيح في ظفره رجاؤنا الأبديّ.

 

Raiati Archives

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الفصح

للمطران جورج خضر