...

مِن العظة على الجبل

 

 

هذه العظة (متى 5 و6 و7) هي الشرعة الأخلاقية في الإنجيل. في هذا المقطع يقول “سراجُ الجسد العين”. ويريد أنك إن كنت شفّافًا ونظرتك الى الناس مُحبة (يسمّيها بسيطة) اي نظرة بلا تعقيد ولا بُغض ولا استعلاء، فكيانك كله طيّب. وينتقل بعد هذا الى الى عبادة المال إذ يقول “لا تقدرون أن تعبدوا الله والمال”.

المال عبدُك باستعمال للخير. لا تجعل نفسك عبدًا له. لا تسعَ فقط الى المال. طوّعه بعطائه للفقراء. اجعله مُلكًا لهم. شاركهم فيه. أنتَ لستَ صاحبه. أنتَ مؤتَمن عليه. أَعطه لمن احتاج اليه. ثم يفسّر او يفصّل ويقول: “لا تهتمّوا لأنفسكم بما تأكلون وبما تشربون، ولا تهتموا بما تلبسون”. الكلمة الأساسية هي الهمّ. هو ما قال: لا تأكلوا ولا تلبسوا. هو أراد أنكم لا يجوز لكم أن تعملوا هذا شغلكم الشاغل. لا يمكن أن تصير المادّة مركز قلوبكم ومضمون حياتكم. أوضح هذا هكذا إذ قال بعد بضعة أسطر: “لمـاذا تهتمّـون باللبـاس؟”. ثـم يردف الى هذا قولـه: “فلا تهتمّوا قائلين ماذا نأكل او ماذا نشرب او ماذا نلبس”. ويوضح ان “هذا كله تطلبه الأُمم” اي الذين هم خارج شعب الله. عندما يقول بولس “حُبّ المال أصل كل الشرور” يريد أيضًا أن عشق الطعام والشراب والملبس والبيوت والسيارات وكل ما يملكه الانسان أصل كل الشرور. ليس من عشق لكل ما هو مادّي لأن هذا يكبّلك ويستعبدك. خلقك الله حُرّا، وبتحرّرك من كل ما هو محسوس تستطيع أن تحبه. على هذه الصورة أمكن القول إن كنتَ ملتصقًا بـزوجتـك وأولادك وأنسبـائـك وأصدقـائـك حتى الاستعـباد لهم لا تستـطـيـع أن تكـون عـابدا لله. لك حـريـة لـتعـبـد الله وحده بها، تـأتمر بأوامره، فتحبّ ما يحبّ وتكره الأعمال والأفكـار التي هو يكـرهها. هـو ما أعطـاك الحرية لتقوم بما تشاء. إنه أعطاك فـقـط حـريـة عـبـادتـه والالتصاق بها وكأنك هنا على الأرض في السماء منذ الآن. أنتَ إنسان سماويّ او صرتَ سماويا بيسوع المسيح. تأكل ما يقيتك لا أكثر. الطعام ليس للّذة ولكنه لغـذائك ونمـوّك. كذلك الشـراب. تلـبس ما هو مألوف لتدفع عنك البرد والحرارة بلا إفـراط في التجميل. ليس جمال اللباس والمسكن محرّمًا عليك، ولكنـك في كل هذا اعتَدل حتى لا تسكر بالجمال فتحيد عن جمال الله. لا تفتخـر بأي شيء. فقط افـتخـر بالمواهب التي وضعها الله في عقلك وفي قلبك، ولا تنسب الى فضلك أنت أيّة موهبة. سلّمك اللهُ مواهبك لتستثمرها لمجده. تعـرف كلمـة الملائكة في ميلاد السيد: “المجد لله في العُلى”. فإذا نَسبتَ شيئًا لحسناتـك فهذا كبـرياء. ليس عنـدك شيء صالح إلا لكونك ورثته من ربك بعطـف المسيح عليك وبقوة الروح القدس.

وإذا أفـاد النـاس مـن مواهبـك فلا تقبل منهم مديحًا، ولكن وجّههم الى أن هذا عطيّة الله. كل شيء من الله وإليه. وكلنا، مجتمعين بالمحبة، له. اشكر الرب دائمًا على عطاياه، واجعـل النـاس شـاكـريـن لله اذا ورثوا منه شيئًا. نحن جماعة واحدة في الكنيسة ثروتنا الله. الذي يلبس شيئـا جميلا كالذي يلـبس ثيـابـًا رثّة. من أكل قليلا وصام أفضل من الانسان الشره. مَن فرح عندما يقبض مالاً فلكونه واسطة ليوزّعه. أنتَ إنسان المحبة كما أن الله محبة. انظر دائمًا الى الأخيار والأشرار بعين المحبة والغفران والحنان، وهكذا تصبح إنسان العهد الجديد.

جاورجيوس، مطران جبيل والبترون وما يليهما (جبل لبنان)

عن “رعيّتي”، العدد 27، الأحد في 3 تموز 2011

 

 

مِن العظة على الجبل