...

لماذا الإكثار من الصلاة؟

سأل بعضهم أبًا روحيًّا لماذا نُكثر من الصلاة ولماذا نكرّر دعاء «يا ربّ ارحم» عشرات المرّات علمًا بأنّ الربّ لا يحتاج إلى كلّ هذه الصلوات؟

علم الأب أنّهم ما أدركوا قيمة الصلاة، ولماذا طلب رحمة الربّ، وأنّ البشر هم المحتاجون إلى الصلاة وليس الربّ. قال لهم: نحن مثل حجارة اقتُلع كلّ واحد منّا من مقلع مختلف وألقينا لنمشي معًا «في وادي ظلّ الموت» (المزمور ٢٢: ٤). من هذه الحجارة ما هو كبير قاسٍ، ومنها ما هو صغير أقلّ قساوة. منها المربّع ومنها المستطيل ومنها المدوّر. منها الأبيض ومنها القاتم ومنها القذر. منها الطويل الرقيق ومنها القصير السميك. منها ما هو مسنّن الأطراف جارح، ومنها ما هو أملس. يصعب على كلّ هذه الحجارة أن توجد معًا لأنّ بعضها معرّض للانكسار وبعضها معرّض للانفراط وبعضها ينجرح ويتفتّت، ولا تقع على متشابهين اثنين بينها كلّها.

هذا الوضع المحزن لا يتغيّر إلاّ عندما تنساب المياه غزيرة على الحجارة فتدخل بين الحجر وجاره و«قريبه» فتغسلها يومًا بعد يوم وسنة بعد سنة، وتذيب في انسيابها كلّ ما هو حادّ أو نافر أو مسنّن فتصير الحجارة متشابهة ويقترب واحدها إلى من هم حوله حتّى يتراصف الكلّ مجرى واحدًا لنهر واحد فينظر كلّ حجر إلى ذاته فلا يجد فيها سوى صورة الآخر.

هكذا تمامًا الإكثار من الصلاة وطلب رحمة الربّ تفعلان فعلهما داخل النفس فتغسلانها وتهذّبانها، حتّى تُمسي منفتحة على الآخرين ومرتاحة إليهم وفيهم فيتكوّن بذلك جسم الكنيسة.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

لماذا الإكثار من الصلاة؟