...

شراكة الله والإنسان من مائدة الحياة إلى مائدة الخلاص

                                                                         

 يدفعنا إنجيل توبة زكّا إلى التأمّل بواقعنا على خطَّين. الأوّل هو خطّ أمثال زكّا، أي الذين أخطأوا بحقّ أنفسهم وبحقّ الآخرين وبحقّ الله. أمّا الثاني فهو خط معاصريه، نابذيه والشامتين به وبـمن يخالطه. يأتي لباس التوبة في هذا الإنجيل ليعرضه يسوع على هؤلاء وأولئك معًا حتّى يرتدوا لباس الفضيلة التي بحسب المسيح.

جمع زكّا، في ذاته، عيبَين كبيرَين بنظر أترابه. فهو قصير القامة وهذا أمر يحتمل الاستهزاء به. وهو أيضًا رئيس العشّارين في منطقة أريحا، فكان موسومًا بالسمعة الرديئة بحكم ممارسته الغبن والظلم والجشع في أداء وظيفته.

على المقلب الآخر من هذا الواقع النتن، هناك فرحة بانت معالمها مذ قرّر زكّا، بلهفة ظاهرة، أن يصعد إلى الجمّيزة ليرى يسوع: «ركض متقدِّمًا، وصعد إلى جمّيزة لكي يراه لأنّه كان مزمعًا أن يمرّ من هناك» (لوقا ١٩: ٤). قادته لهفته إلى أن يتّضع عمليًّا – بصعوده إلى جمّيزة – أمام نفسه وأمام الآخرين، إذ كان مدفوعًا، لربّما بفضوله، إلى رؤية المسيح. إنّه اتّضاع لفت نظر يسوع وأراد أن يترسّخ أكثر في نفس زكّا، فبادله النظرة وشقّ له الطريق ليسلك فيها: أوّلًا، بأن ناداه باسمه، فلم يحتقرْه بل كرّمه؛ وثانيًا، بأن دعا نفسه إلى منزله: «يا زكّا، أسرعْ وانزلْ لأنّه ينبغي أن أمكث اليوم في بيتك» (لوقا ١٩: ٥)، فلم يتجنّبْه بل رغب في أن يحلّ ضيفًا عليه. بهذا أحاطه يسوع بتواضع فائق ومحبّة خالصة، ما ولّد لدى زكّا استعدادًا جديدًا أتى ليرفعه من النتانة التي يقبع فيها. لذا «أسرعَ ونزل وقبله فرحًا» (لوقا ١٩: ٦). شكّل هذا الاستعداد الواعد درجة من الفرح أعلى من اللهفة والذي بدأ يتكوّن في نفس هذا الإنسان القصير القامة والخاطئ جدًّا.

إذا كان زكّا لفت نظرَ المسيح، فإنّ المسيحَ لفت نظرَه إلى ضرورة الكفّ عن مشاهدته من فوق، بالعمل على النزول إلى أسفل، إلى بيته، إلى واقعه، إلى نفسه. هذا كان يجب أن يحصل بسرعة حتّى يستفيد مـمّا ظهر في قلبه من استعداد حسن، فلا تتبخّر الفرصة السانحة بأن يتخطّى واقعه بداعي ما يُلبِسه إيّاه مركزه وسلطته وسطوته بين الناس من مجد باطل وحبّ للذّات وتكبّر وعجرفة.

تلقّف زكّا أمرَ يسوع إليه بحكمة ونباهة وفرح، وتقدّم الطبيبَ الشافي إلى مكان العلاج الذي اختاره له، إلى بيته. في هذا الاختيار فائدتان. من جهة، يوفّر يسوعُ الفرصة لزكّا لتكون بينهما عِشرة فيشفي يسوع بمحبّته ضمورَ الشعور بالآخرين عند زكّا؛ ومن جهة أخرى، يوفّر له المناخَ الصالح ليقوم بتصحيح ما اعوجّ في سلوكه وممارسته مهنته فيشفي يسوع برحمته غيابَ العدل في حياة زكّا.

بنزول زكّا عن الجمّيزة، نزل إلى نفسه. بقاؤه على الجمّيزة ما كان ليمنحه الرؤية الصحيحة ليسوع. فالمسيح ليس «فرجة»، وليس غرضًا للفضول. بنزول زكّا إلى نفسه على ضوء ما وفرّه له الطبيب الشافي من مناخ ملائم ودعم واضح، استطاع أن يرى خللَين فظيعَين لديه: غياب الرحمة وغياب العدل. فهم أنّ عليه أن يصلحهما على ضوء ما وفّره له حضور يسوع، فأعلن: «ها أنا يا ربّ أعطي نصف أموالي للمساكين، وإن كنتُ قد وشيتُ بأحد أردّ أربعة أضعاف» (لوقا ١٩: ٨).  اتّسع قلب زكّا إلى درجة فاض معها رحمة على المساكين، فلم يُغلق غناه أحشاءَه عنهم، ثمّ أجزل عدلًا على المظلومين، أضعاف ما كانت الشريعة تطلب في مثل هذه الحالة، فلم يترك للجشع والمجد الفارغ مكانًا في قلبه. هكذا خبر درجة الفرح التي يحدّثنا عنها المزمور: «الرحمة والحقّ التقيا، البرّ والسلام تلاثما» (٨٥: ١٠). إنّها درجة المصالحة التي يؤسِّس عليها زكّا مسيرته مع يسوع ومع أترابه من الآن فصاعدًا.

بنتيجة هذه المسيرة، بان الفرح الأخير، فرح الطبيب الشافي، فوضعنا يسوع في حقيقته حتّى نلمسها بدورنا فيُعدينا زكّا بالنقلة النوعيّة التي اختبرها: «اليوم حصل خلاص لهذا البيت، إذ هو أيضًا ابن إبراهيم» (لوقا ١٩: ٩). فمن منبوذ من الجماعة ومحتقَر منها صار زكّا محطّ نظر العناية الإلهيّة حتّى ضمّه يسوع إلى عائلة إبراهيم بالإيمان. ومَن كان قزمًا في عين أترابه صار عملاقًا في المسيح، وتحوّل واقعه -منذ الآن- من واقع هلاك إلى واقع خلاص.

أصاب يسوع هذه المرّة مأكلًا، فله طعام لسنا نعرفه، وهو أن يعمل مشيئة أبيه الذي أرسله ويتمّم عمله (يوحنّا ٤: ٣٢ و٣٤). نعم، هذا ما أعلنه يسوع في نهاية ضيافة زكّا له: «ابن الانسان قد جاء لكي يطلب ويخلِّص ما قد هلك» (لوقا ١٩: ١٠)، داعيًا بشكل غير مباشر منتقديه هو ونابذي زكّا (لوقا ١٩: ٧) إلى الانتقال من صلاح وبرّ ذاتيَّين إلى البرّ الذي فيه. فبرّ المسيح وصلاحه مفتوحان على الشركة به، وعلى الخلاص الذي يمنحه مجّانًا للهالكين، وعلى الفرح بنموّنا فيه. كان زكّا أوّلَ الغيث، فهل تكون أنت التالي؟ يسوع ينادينا بأسمائنا ويدعو نفسه لأن يكون شريكًا على مائدة حياتنا، فهل نصير شركاءه على مائدة خلاصه؟   Λουκ.(19:8-9-10)

 

 

+ سلوان
مطران جبيل والبترون وما يليهما
(جبل لبنان)

 

 

 

الرسالة: عبرانيين 13: 7-16

يا إخوة، اذكروا مُدبّريكم الذين كلّموكم بكلمة الله. تأمّلوا في عاقبة تصرّفهم واقتدوا بإيمانهم. إنّ يسوع المسيح هو هو أَمس واليوم والى مدى الدهر. لا تنقادوا لتعاليم متنوّعة غريبة، فإنّه يحسُنُ أن يثبَّتَ القلبُ بالنعمة لا بالأطعمة التي لم ينتفع الذين تعاطوها. إنّ لنا مذبحًا لا سلطان للذين يخدمون المسكن أن يأكلوا منه لأنّ الحيوانات التي يُدخل بدمها عن الخطيئة الى الأقداس بيد رئيس الكهنة تُحرَق أجسامها خارج المحلّة. فلذلك يسوع أيضًا تألم خارج الباب ليُقدّس الشعب بدم نفسه. فلنخرُجْ إذن اليه الى خارج المحلّة حاملين عاره لأنه ليس لنا ههنا مدينة باقية بل نطلب الآتية. فلنقرِّب به إذن ذبيحة التسبيح كل حين، وهي ثمرُ شفاه معتَرفة لاسمه. لا تنسوا الاحسان والمؤاساة فإنّ الله يرتضي مثلَ هذه الذبائح.

هؤلاء كلهم كانوا يواظبون بنفس واحدة على الصلاة والطلبة، مع النساء، ومريم أم يسوع، ومع إخوته.

متى (5, 14-19).

هؤلاء كلهم كانوا يواظبون بنفس واحدة على الصلاة والطلبة، مع النساء، ومريم أم يسوع، ومع إخوته.
وفي تلك الأيام قام بطرس في وسط التلاميذ، وكان عدة أسماء معا نحو مئة وعشرين. فقال
أيها الرجال الإخوة، كان ينبغي أن يتم هذا المكتوب الذي سبق الروح القدس فقاله بفم داود، عن يهوذا الذي صار دليلا للذين قبضوا على يسوع،
إذ كان معدودا بيننا وصار له نصيب في هذه الخدمة.
فإن هذا اقتنى حقلا من أجرة الظلم، وإذ سقط على وجهه انشق من الوسط، فانسكبت أحشاؤه كلها
وصار ذلك معلوما عند جميع سكان أورشليم، حتى دعي ذلك الحقل في لغتهم «حقل دما» أي: حقل دم

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

                                                                                                                                                                                                         شراكة الله والإنسان   

                                                                                                                                                                                  من مائدة الحياة إلى مائدة الخلاص