...

«ربّ» العمل… يفدي ظروف العمل!

تتميّز اللغة العربيّة وحتّى القانونيّة بوصف الرئيس في العمل أو صاحب المؤسّسة بربّ العمل. لماذا «ربّ» العمل. قد لا نكون في معرض البحث عن أصل التسمية اللغويّ، ولكن ما يستوقف المُطالع أنّ المطلع ذاته يواكب عبارة «ربّ البيت» و«ربّة المنزل». وإذا سمحنا ببعض الاسترسال اللغويّ، نُقاد إلى كلمة «ربّان السفينة».

في المفهوم المسيحيّ ما من ربوبيّة إلّا تلك المعطاة من فوق. تتلاقى هذه الربوبيّة مع المنطلق الكتابيّ الأوّل للعمل الذي نجده في هذه الآية: «يخرج الانسان إلى عمله وإلى صناعته حتّى المساء». هو خروجٌ باسم الله إلى العالم وتمجيد لله لتحريك مادّة هذا العالم من أجل خدمة البرِيّة، إنسانًا وخلائقَ.

إلى هذا، ما من ربوبيّة ناظرةٍ إلى فوق من دون صليب. والصليب حركة فداء كبير، به أتى الفرح لكلّ العالم.

تشتدّ الصعاب، تشتدّ الظروف ضمن محيط العمل مثلما تعظم التحدّيات في البيت العائليّ. ولعلّ الإنسان يمضي في عمله وقتًا قد يزيد عن الوقت الذي يمضيه في البيت إذا لم نأخذ فترة النوم والراحة بالحسبان.

ربّ العمل – القائد هو الذي يلبس في الظروف الصعبة درع الفادي كربٍّ للعمل. ينظر إلى فوق، يستمدّ قوّةً من العلاء، يتذكّر أنّه في بيته وبين عائلته ربّ بيت وربّ عائلة، وهو في عمله ربّ العمل. يستنهض كلّ ملكاته. يرتفع ويترفّع، يتذكّر أنّ المال وسيلة وليس غايةً. يفدي ظروف الجميع، فيسعى إلى أن يضع نفسه في موقع الجميع ليأتي بهم من حيث هم إلى حيث يرى المؤسّسة قادرةً على أن تبلغ. وهكذا يعبر بالجميع إلى برّ النجاح كربّانٍ قائد ملهم، حافظًا السلام والفرح في محيط العمل، وهو ما في آخر الأمر يعزّز المهنيّة والاحتراف وتخطّي المؤسّسة المرحلة الصعبة وتحدّياتها.

«كنت فتى وصرت شيخًا ولم أرَ إنسانًا تُخُلّيَ عنه ولا ذرّيّةً له تلتمس خبزًا»، هي آية مطمئنة من المزمور ٣٧ في هذه الظروف. مطمئنة هي هذه الآية لربّ العمل المؤمن وللأجير المؤمن، مفتاحها الصبر والاحتمال لكي يقرأ الإنسان في حياته قصد الله كما علّمنا كبار كنيستنا.

من الخبرات المباركة في محيط العمل خلال هذه المرحلة، حرص ربّ العمل على تأمين البدلات العينيّة للأجراء من ضمن ما تتاجر به المؤسّسة من موادّ. ومن قبيل ذلك أيضًا تخفيض الدوام مع الإبقاء على البدل ذاته من أجل تمكين المستخدم من القيام بعملٍ آخر. كما قامت بعض المؤسّسات بتكوين احتياطيّ لمساندة مَن مِن بين المستخدمين تلمّ به صعاب «تكسر الظهر»، كمثل الحاجة إلى عمليّة جراحيّة، التعرّض لحادث سيّارة، استحقاق عائليّ مهمّ، … مجال العمل مجال تقديسٍ للذات ورفعٍ للآخرين إذا عرفنا كيف نكون أيقونةً للمسيح، عمّالًا كنّا أو أرباب عمل. وفي هذا ليس عبدٌ أفضل من سيّده. لنكن كما الربّ يسوع الذي عمل نجّارًا في شبابه وفق ما تصوّره أيقونة «يسوع العامل» وتصفه الآية الثالثة من الفصل السادس من إنجيل مرقس، الذي -له المجد- عرف كيف يصنع بالخشبة لنا الخلاص!!

 

Raiati Archives

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

ربّ» العمل… يفدي ظروف العمل!