...

اليهوديّة

 

 

“الناموس هو مؤدبّنا إلى المسيح” (غلاطية 3: 24).

ماذا كان اختلف لو لم يأتِ المسيح؟ ماذا تغيّر بمجيء المسيح؟ ما الفرق بين ذهنيّة من يؤمن بالمسيح وذهنيّة من ما زال ينتظر المسيح أي اليهود؟ قال الربّ في الإنجيل المقدّس: “ما جئت لأنقض بل لأكمّل”، وبالفعل الربّ لم ينقض لكنّه غيّر كثيراً (متّى 5: 17).

الفكر اليهوديّ فكرٌ أرضيّ، فكرٌ مادّيّ؛ وهذا الفكر لم يزل عند كثيرين من المسيحيّين.

ما زال اليهود، حتّى اليوم، متمسّكين بما ورد في التوراة على أنّه وعدٌ إلهيّ، وهو أنّ الأرض من النيل إلى الفرات هي لهم! هم ما زالوا يحلمون بملكوت أرضيّ وبملك أرضي على غرار ملك داود.

بينما يصرّح الرسول بولس: “الإنسان الأوّل (اليهوديّ) إنسانٌ أرضيّ ترابيّ جسدانيّ، الإنسان الثاني (المسيحيّ) إنسان سماويّ روحيّ. (راجع 1 كورنثوس 15: 46-47- 48).

وما زال الإنسان المعاصر، عامّة، إنساناً مادّيًّا يعلّق الكثير من الأهمّيّة على موضوع الجسد، أي ما زال فكرنا أو حياتنا الحاضرة، نحن المسيحيّين، فكراً وحياة مادّيَّين وجسدانيَّين.

* * *

نعم، لقد قلب الربّ يسوع المسيح كثيراً من المفاهيم القديمة: المفاهيم الناموسيّة، اليهوديّة. يقول:

كونوا كاملين كما أنّ أباكم السماويّ هو كامل. “من أحبّ أباً أو أمّاً أكثر منّي فلا يستحقّني”. الأخ في المسيحيّة هو أخي في الإنسانيّة، مَثَلُه مثل السامريّ: من هو قريب ذاك؟ الذي صنع له الرحمة (راجع المثل لوقا 10). أمّا في اليهوديّة فالقريب هو اليهوديّ حصراً، وهذا شيء من الفكر التكفيريّ، أي أنّ الآخر الذي ليس من ديني هو عدوّ لي.

فلماذا نحن المسيحيّين ما زلنا متمسّكين بهذه الذهنيّة اليهوديّة الطائفيّة والعائليّة والقبليّة؟!

في المسيحيّة ليس يهوديّ ولا وثنيّ، لا ذكر ولا أنثى، بل الكلّ واحد في المسيح (غلاطية 3: 28).

* * *

أيّها الأحبّاء، إنّ المسيح رفعنا من مستوى العبيد والأجراء إلى مستوى الأبناء.

العبد يطيع سيّده لأنّه يخافه، الأجير يطيع لأنّه ينتظر أجرةً، أمّا الإبن فيطيع لأنّه يحبّ معلّمه. “المحبّة لا تطلب ما لنفسها” يقول الرسول بولس (1 كورنثوس 13: 5).

هي تتخطّى الأنا، تتخطّى المال، تتخطّى الملكيّة والسلطة، تتخطّى الطائفة والقرابة الجسديّة. أَحِبّوا المسيح، اقرأوا الإنجيل، اعملوا به.

هذا كلّ شيء.

أفـــــرام، مطران طرابلس والكورة وتوابعهما

عن “الكرمة”، العدد 28، الأحد 10 تمّوز 2016

 

اليهوديّة