...

استقامة الرأي

 

 

يُسمّى الأحد الأول من الصوم أحد الأرثوذكسية أو أحد استقامة الرأي، وفيه نعيّد لانتصار الأيقونة.

أصل هذه الذكرى انّه في الأحد الأوّل من الصوم سنة ٨٤٣ في مدينة القسطنطينية، وهي اسطنبول اليوم، رفعت الامبراطورة ثيوذورا الأيقونات لتُكَرَّم من المؤمنين تعبيرًا عن الإيمان المستقيم الرأي. ذلك أنه حوالى ١٢٠ سنة قبل ذلك التاريخ، أي في مطلع القرن الثامن للميلاد، اضطهد الملوك البيزنطيّون الأيقونات وأخذوا يحطّمونها في الكنائس، وجرت حرب شرسة على الأرثوذكسيين الذين يُكرّمون الأيقونات.

 والذين حطّموا الأيقونات قالوا ان الله غير منظور، ولذلك لا يجوز تصوير المسيح أو القديسين، إذ ان المنحوتات والصوَر ممنوعة في العهد القديم في الوصيّة الثانية.

قام في ذلك الوقت القدّيس يوحنّا الدمشقي مدافعًا عن الأيقونات. هو قدّيس من دمشق عاش في دير مار سابا قرب بيت لحم. كان قبلاً وزير المال عند الأمويّين ثم ترهّب. وهو الذي كتب تراتيل عيد الفصح ورتّب الألحان الثمانية في الكنيسة ووضع كتابًا شهيرًا عنوانه «في الإيمان الأرثوذكسي» ضمّنه كلّ العقيدة المسيحية.

قاوم القديس يوحنّا المملكة البيزنطيّة، وقال: صحيح أن الله لا يمكن رسمه لأنه غير منظور، ولكن بعد أن نزل الإله إلى البشر وتجسّد ورأيناه أصبحنا نستطيع أن نرسمه. ان نرسم المسيح، هذا من إخلاصنا للتجسّد الإلهي. الوصية الثانية التي أُعطيت لموسى «لا تصنع لك صورة أو تمثالاً، ولا تسجد لها ولا تعبُدها» كانت سارية المفعول لأن الله كان غير منظور. ولكن بعد أن تجسّد وصار منظورًا، لم تعد الوصيّة سارية المفعول. كانت كذلك فقط في مرحلة معيّنة من تاريخ البشر.

اضطُهد القديس يوحنا الدمشقي بسبب تعليمه لأن المملكة العربية في الشرق كانت متواطئة في هذا الموضوع مع المملكة البيزنطية حتّى عُقد المجمع المسكوني السابع سنة ٧٨٧ وأَعلن إيمان الكنيسة بالأيقونات بناءً على التعليم الذي أعطاه القدّيس يوحنّا الدمشقي.

قال المجمع اننا لا نسجد للأيقونة سجودًا ولكن نُكرّمها إكرامًا، والإكرام لا يذهب إلى المادّة أي إلى الخشب او اللون ولكن الإكرام يذهب الى المثال الإلهي الذي تُصوّره الأيقونة. فالمثال الإلهي هو مثال السيّد في السماء. الانحناء انحناء للسيّد، والتكريم تكريم لوالدة الإله والقدّيسين عن طريق هذا الجسر الذي هو الأيقونة.

وَضعت الكنيسة أن يكون التصوير الإيقونوغرافيّ خشوعيًا. هدف الأيقونة أن تكون شفّافة الى نُور الملكوت الذي تجسّد. فإذ ننظر الى أيقونة، نرى نُور الربّ في وجه مَن تُمثّل. نحن نتحرّك من الوجه الى الأيقونة ومن الأيقونة الى الوجه، ونتحرّك من الأيقونات والوجوه البشريّة الى وجه يسوع ونبقى عنده ونستقي منه الإيمان الأرثوذكسي القويم.

جاورجيوس مطران جبيل والبترون وما يليهما (جبل لبنان)

عن “رعيّتي”، العدد 12، الأحد 20 آذار 2016

استقامة الرأي