...

الربُّ يدعونا

 

 

 

لكلمة “كنيسة” في اللغة اليونانية (إكليسيّا) معنى مميّز. فهي تتالف من جذرين: “أن يدعو” و “خارجاً”. لقد اختار آباء الكنيسة هذه الكلمة بالتحديد للتعبير عن رسالة الكنيسة كدعوة: كلَ مؤمن مدعوّ إلى الخروج من ذاته وأنانيته وشهواته (التوبة)، والدخول الى الحياة في المسيح (الملكوت).

وفي إنجيل اليوم، يعطينا الربّ يسوع مثل العشاء العظيم الذي فيه يدعو الملكُ (الله) جميعَ المؤمنين لهذا العشاء (القدّاس الالهي). إذاً القداس دعوة الى وليمة عظيمة في بيت الله تجمع أهل الأرض (المؤمنين أعضاء الرعية) مع سكان السماء (مريم العذراء والملائكة والقديسين). الوليمة عظيمة لأن الله (الآب وابنه يسوع المسيح وروحه القدوس) يكرّمنا بدعوته الشخصية لنا. نتّحد به في الخبز الواحد والكأس الواحدة مع كلّ العالم السماوي. يا لَعظمة هذه الدعوة المُذهلة التي يَصعُب إدراك فوائدها على من يلبيها! 
 نجد إنساننا اليوم مثقلاً بالهموم والمشاكل، ومُتعباً نفسيّاً وجسديّاً، منشغلاً بملاحقة أعماله، حتى في يوم الربّ. يحاول الإنسان أن يموّه عن ذاته من خلال مشاركته في ولائم وحفلات، ويسترسل بالشرب والتدخين، “للتمويه عن نفسه” كوسيلة للابتعاد المؤقَّت ونسيان مشاكله التي تلاحقه.

هناك دعوة لسبيل آخر يقدّمه الربّ لنا في مواجهة صعوبات الحياة: “تعالوا فإن كلّ شيء قد أُعدّ”. الوليمة السماوية تشبعنا حلولاً دائمة لكلّ داء ومعضلة. إنها تعطينا الصحة الجسدية والنفسية والحياة الأبدية! “إِلى من نذهب يا ربُّ وعندك كلام الحياة الأَبديَّة؟” (يوحنا 68:6). أليس، إذاً، للقداس أولوية على كلّ مشاغلنا؟ أليس هو حاجتنا الأولى في هذا العصر المتخبط؟

كلّ إنسان يقبل الدعوة بإيمان وشوق يختبر محبّة الله، والغفران الإلهي، والتعزية، فيحصل على هذا الفرح الذي لا يوصف، هذه السعادة الحقيقية، هذه النشوة الدائمة، هذه اللذة المُشبِعة التي تفوق كل اهتمامات العالم الفاني ولذّاته! فالله معنا، هو يُسهّل علينا ألم هذه الحياة، فيتحوّل ألمنا الى فرح ومجد!!! 

طوبى لكلّ من يلبّي دعوة الربّ المجانية، لمن يخرج من أنانيته ويلتحق بالرب، ويجلس إلى مائدته الكريمة مستلذاً بالخبز السماوي ومنتعشاً بالخمر المقدس. لكنّ “المدعوّين كثيرون والمختارين قليلون”….

الأسقف غطاس (هزيم)، ميتروبوليت بغداد

عن “الكرمة”، العدد 50، الأحد 11 كانون الأول 2011

 

الربُّ يدعونا