...

أغناطيوس – حامل الاله

القدّيس أغناطيوس الثيؤفورس [1]

أسقف أنطاكية

ولد ما بين عامي ٣٠، ٣٥م؛ سوري الأصل على الأرجح، هليني الثقافة، وثني. يرى أناستاسيوس الكتبي [2] الذي عاش في القرن التاسع أنّه ذاك الطفل الذي حمله السيّد المسيح مقدّما إياه مثالاً للتواضع (مت١٨: ٢-٤)؛ بينما يرى القدّيس يوحنا الذهبي الفم، الأنطاكي المولد، في أواخر القرن الرابع أن القدّيس أغناطيوس لم يرَ السيّد المسيح [3].

إذ رأى الرسل فيه غيرته المتّقدة رسموه أسقفًا على أنطاكية، وقد اختلف البعض في شخصيّة من سامه، فيرى البعض أن الرسول بطرس سام أفوديوس على اليهود المتنصرين والرسول بولس سام أغناطيوس على الأمم المتنصرين… وانه لما تنيّح الأول تسلّم أغناطيول رعاية الكنيسة بشطريها. على أي الأحوال اتّسم بغيرته على خلاص النفوس فكسب الكثيرين من الأمم للسيّد المسيح.

اتسم بحبه الشديد لشعبه كما يظهر من حديثه مع مستقبليه في أزمير أثناء رحلته إلى روما للاستشهاد، إذ كان يذكر أمام مستقبليه شعبه، ويطلب إليهم الصلاة من أجلهم.

وضعه نظام التسبحة

قيل أنّه نظر في رؤيا الملائكة تسبح ممجدة الثالوث القدّوس، فنقل النظام الذي لاحظه إلى الكنيسة الأنطاكية، حيث انتشر بعد ذلك بين بقيّة الكنائس.

لقاؤه مع والي سوريا

إذ سمع عنه الوالي من جهة غيرته على انتشار المسيحيّة استدعاه، ودخل معه في حوار من جهة “يسوع المصلوب”، انتهى بإصداره الأمر بأن يُقيَّد أغناطيوس القائل عن نفسه أنّه حامل في قلبه المصلوب، ويُقاد إلى روما العظمى، ليُقدّم هناك طعامًا للوحوش الضارية، إرضاءً للشعب.

سمع الأسقف بذلك فابتهج جدًا. إذ جاءت الساعة التي طالما ترقبها، وحسب هذا الأمر أعظم هديّة قدّمت إليه؛ إذ جثا وصرخ مبتهجًا: “أشكرك أيها السيّد الرب، لأنك وهبتني أن تشرّفني بالحب الكامل نحوك، وسمحت لي أن أُقيّد بسلاسل حديديّة كرسولك بولس”. ولما صلى هكذا قبل القيود، متضرعًا إلى الله أن يحفظ الكنيسة، هذه التي ائتمنه الرب عليها ليخدمها حوالي ٤٠ عامًا.

إلى روما

خرج القدّيس في حراسة مشدّدة من عشرة جنود، وقد صاحبه اثنان من كنيسته هما روفوس وزوسيموس اللذان شملهما الحكم بالإعدام.

إذ رأى الجند حب الشعب له والتفافهم حوله عند رحيله تعمّدوا الإساءة إليه ومعاملته بكل عنف وقسوة، حتى دعاهم بالفهود بالرغم من لطفه معهم.، وما دفعه الشعب لهم كي يترفّقوا بأسقفهم.

وصلّوا إلى سميرنا Smyrna حيث استقبله القدّيس بوليكاروبوس أسقفها، كما جاء إليه أساقفة كنائس مغنيسيّة (مانيزيا) [4] وأفسس وتراليا [5] مع وفود من الكنائس يتبركون به، ويلتقطون درر تعاليمه. استغل الفرصة وكتب رسائل إلى هذه الكنائس، كما كتب رسالة بعثها إلى روما، إذ سمع أن بعض المؤمنين يبذلون كل الجهد لينقذوه من الاستشهاد، جاء فيها:

“لا أطلب إليكم سوى أن أكون سكيبًا لله مادام المذبح معدًا…

أطلب إليكم ألا تظهروا لي عطفًا في غير أوانه، بل دعوا الوحوش تأكلني، التي بواسطتها يوهب لي البلوغ إلى الله. أنّني حنطة الله. اتركوني أُطحن بأنياب الوحوش لأصبح خبزًا تقيًا للمسيح. هيِّجوا هذه الوحوش الضارية لتكون قبرًا لي، ولا تترك شيئًا من جسدي، حتى إذا ما مُت لا أُتعب أحدًا، فعندما لا يعود العالم يرى جسدي أكون تلميذًا حقيقيًا للمسيح [6].

في تراوس

أبحر بالسفينة من سميرنا إلى تراوس، ليكتب القدّيس أيضًا ثلاث رسائل “إلى فيلادلفيا، وسميرنا، والقدّيس بوليكاربوس”

من تراوس أبحر إلى نيوبوليس، ثم فيلبّي، ثم Epirus وTyrhene… وأخيرًا إلى منطقة Portus حيث التقى بالاخوة الذين امتزج فرحهم برؤيته وبحزنهم لانتقاله. قابلهم بكل محبّة سائلاً إياهم أن يظهروا المحبّة الحقيقيّة ويتشجّعوا.

جثا على ركبتيه وصلّى لكي يوقف الله موجة الاضطهاد عن الكنيسة، وأن يزيد محبّة الاخوة لبعضهم البعض…

أخيرًا أسرع به الجند إلى الساحة، وأطلقت الوحوش ليستقبلها بوجه باش، لمن يُسرع إلى المدينة السماويّة الأبديّة، ليعيش مع سيّده في الأمجاد الأبديّة. وثب عليه أسدان، ولم يبقيا منه إلاَّ القليل من العظام. استشهد حوالي سنة ١٠٨ بروما [7].

جمع المؤمنون ذخائره وأرسلوها إلى كنيسته بأنطاكيا، فدفنت خارج السور بالقرب من باب دفنه. وبقيت هناك حتى أيام إيرونيموس، ثم تحوّل هيكل فورتونة في قلب أنطاكية إلى كنيسة مسيحيّة، فنقل الإمبراطور ثيؤدوسيوس الصغير (٤٠٨-٤٥٠) رفات القدّيس إلى هذه الكنيسة، وأطلق عليها اسم الشهيد البار تخليدًا لذكراه [8].

تعيِّد له الكنيسة القبطية في ٧ من شهر أبيب. – كما تعيد له الكنيسة الشرقية فى 20 كانون اول . ديسمبر – والكنيسة الغربية فى 17 تشرين اول . اكتوير

رسائله

إن كان التاريخ يشهد بروعة ما كتبه القدّيس أغناطيوس من رسائل، إلاَّ إنّها أثارت جدلاً كثيرًا أكثر من أي وثائق أخرى من كتابات آباء الكنيسة الأولين، فقد كتب عنها كثير من الدارسين. وقد ظهرت ١٥ رسالة: ٧ رسائل حقيقيّة، ٨ رسائل مزيفة.

الرسائل الحقيقيّة موجّهة إلى كنائس أفسس ومغنيسيّة وتراليا (ترالز Tralles) وروما وفيلادلفيا وسميرنا (إزمير) وإلي الشهيد بوليكاربوس. أمّا المزيّفة فموجّهة إلى السيّدة العذراء ومريم الكاسابيليّة (الكسبولة Cassabola) والرسول يوحنا (رسالتان) وهيرون (شماس أنطاكي) وإلى كنائس أنطاكية وفيلبّي وطرطوس (تراسيا).

وصلت إلينا الرسائل الحقيقيّة في مجموعات ثلاث: قصيرة (يونانيّة) وطويلة ومختصرة (سريانيّة). اتفق معظم العلماء على أن النص القصير هو النص الأصلي، وأما المطوّل فجاء شارحًا للأصل، كما قال Lardner في كتابه Credibility of the Gospel History عام ١٧٤٣م. هكذا رأى كل من جورتن Gorten (١٧٥١م) وموسهيم Mosheim (١٧٥٥م) وجريسباخ Griesbach (١٧٦٨م) وروسنملر Rosenmiller (١٧٩٥م) ونيندر Neander (١٨٢٦م)… الخ.

حُفظ النص القصير في مخطوطة يونانيّة قديمة [9] وهي تعود إلى القرن الثاني، لكنها لا تشمل نص الرسالة إلى أهل روما. وقدّم النسخ التي تتضمّن نص الرسالة إلى روما لا تعود إلى ما قبل القرن العاشر [10].

ظهرت المشكلة من جديد عندما اكتشفت ثلاث من هذه الرسائل باللغة السريانيّة ضمن المخطوطات التي أُخذت من دير السيّدة العذراء ديبارا Deipara بصحراء نتريا بمصر وأودعت بالمتحف البريطاني، وقام وليم كرتن Cureton بنشرّها عام ١٨٤٥م. هذه الرسائل هي إلى بليكربس وإلى روما وإلى أفسس وهو نص مختصر. لا زال البعض يفاضل بينها وبين النص اليوناني القصير، غير أن Lightfoot وغيره يرون أن النص السرياني هو ترجمة قديمة لما جاء في النص القصير اليوناني.

أما من جهة أصالة الرسائل السبع فقد تشكّك بعض البروتستانت في أصالتها إذ رأوا أنّه لا يُعقل أن تكون الكنيسة قد انتظمت بقدر ما جاء في الرسائل في عصر تراجان، غير أن Lightfoot وHarnak وZan وغيرهم أثبتوا بأدلة داخليّة وخارجيّة تأكيد أصالتها.

والواقع أن القدّيس بوليكاربوس نفسه أشار إلى هذه الرسائل في رسالته إلى أهل فيلبّي وبعث نسخًا منها إليهم [11]، وذكر هذه الرسائل بترتيبها التقليدي كل من أوريجينوس وإيريناؤس، كما أيَّدهما في ذلك يوسابيوس القيصري [12].

عن كتاب المدخل في علم الباترولوچي – بدء الأدب المسيحي الآبائي – الآباء الرسوليّون – القمص تادريعقوب ملطى – كنيسة مارجرجس اسبورتنج

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

أغناطيوس – حامل الاله