...

الشهادة في الرعيّة

 

قد يقول كثيرون اليوم: كم هي صعبة الشهادة والخدمة في الرعيّة، بخاصّة في موجات الإعلام التي تحذّر من إمكانيّة الإصابة بالوباء. لكنّ هذا لا يمنع، ولن يمنع، التزام قضايا الناس ومساعدتهم، ولنا في رسالة الأطبّاء والممرضين الشهادة الواضحة الأسمى في عالم اليوم الموبوء.

جاء السيّد للمرضى وليس للأصحّاء، وتاليًا رَسَم يسوع لنا حدود العالم الذي علينا أن نعمل فيه من دون خوف أو رعب، ولكن في احتراز ووقاية كي نقوى على الخدمة المنظّمة التي لا تؤذي الآخر ولا تؤذينا، فكيف نُترجمها في ظلّ هذه الأزمة الوطنيّة التي نعيشها؟  

شهادتنا اليوم تُسكب في ظروف حرجة ولكنّها مُلحّة. فالكثيرون بحاجة إلى شهادتنا الخدماتيّة في مجالات العناية الصحّيّة، وفي لقمة الطعام، وفي مجال السكن. هناك عائلات بحاجة إلى حضور يسوع تحت سقوف بيوتها المهدّمة، وفي أمعائهم الجائعة وأوجاعهم وأنّاتهم. فلنفكّر وسريعًا وبتأنٍ: كيف يمكن خدمة السيّد في صغاره الموجوعين والجائعين والمتألّمين؟ حتّى المرضى الذين أصابهم الوباء ومَن يَرعاهم من طواقم طبّيّة وتمريضيّة بحاجة إلى رعاية روحيّة استثنائيّة حيثما كانوا في بيوت الحجر أو في المستشفيات. كيف نستنبط لهم مرافقة مُبلسمة فيقتنعون بحضور الكنيسة بعد غروب الوباء لتقوى ثقتهم وحالهم: أعِن يا ربّ إيماننا؟ نجحت الكنيسة في رعاية السجناء والمسنّين والمسافرين والمرضى المصابين حتّى بالسيدا، فهل تنجح هنا وتترجم بطريقة ملموسة، وفي زمن الوباء والأزمات، ليس فقط بالوصف والألفاظ بل بالعمل والحضور سرّ الأخ وأبعاده؟

نعيش اليوم، كما في جبل ثابور، وتاليًا فإنّ تجلّي السيّد، في أعمالنا والتزامنا أخوتنا، مطلوب في كلّ لحظة. اليوم إن سمعتم صوته فلا تقسّوا قلوبكم، فالسيّد واقف أمام أبوابنا يقرع لنخرج بمعيّته إلى المرميّين في الطرقات لنضمّد معه جراحهم، وبرعايته نهتمّ به، وباحتضانه نؤاسيهم، وباسمه نخفّف من أوجاعهم وآلامهم وجوعهم بالكلمة المعزّية، وبالعمل الحَسن الذي يَرضاه السيّد من خدمة ورعاية واحتضان.

إنّنا في الكنيسة، وَوَسط المخاوف جميعها التي نعيشها، نقدّم الرعاية الصحّيّة الاستشفائيّة والمنزليّة وكذلك القوت، وهي فرصة لتراكم خبرات من دروس مكتسبة بعناء شديد، ويمكن مستقبلًا التأسيس عليها لنمط متجدّد من الخدمة الاجتماعيّة المتطوّرة الهادفة والخادمة، وعلينا معًا، من مختلف الاختصاصات، أن نتكافل ونتضامن من أجل وضع استراتيجيّة واضحة للعمل الاجتماعيّ انطلاقًا من التراث الآبائيّ الذي قام على خبرة الأطبّاء القدّيسين وعلى ما يقوم به، أبناء الكنيسة المتطوّعون، من جهود مباركة جبّارة لتكون الشهادة ليسوع وفق ما يشتهيه، لنقوم معه من وجع صليب الوباء إلى نور قيامة الشفاء.

الشهادة في الرعيّة