...

من نسب إنسان إلى نسب الله: إنجيلنا على دروب العصر

 
 

 دخل اسم يسوع المسيح في تاريخنا البشريّ والتَحَم مع أسمائنا. بات اسمه معروفًا لدينا، وصار المؤمنون به يُدعَون به ويُكنّون على اسمه. فاسمه هو اسمنا، فباسْم المسيح صرنا بدورنا مسيحيّين.

وضع الإنجيليّ متّى لائحة نسب يسوع بحسب الجسد، منذ إبراهيم أبي الآباء وحتّى يوسف، خطيب مريم العذراء. إنّها لائحة أولى، لا بل قلْ مدخلًا، لما هو أدهى من النسب بحسب الجسد. فيسوع، وإن أتى من جبلة اليهود، شعب الله الذي اقتناه لنفسه تهيئة للموعد الذي تمّ به وفيه، إلّا أنّه أعدّ هذا التدبير ليكون فاتحة لنسب روحيّ، بحسب الروح القدس، لكلّ الذين يتصوّر المسيح فيهم، بالإيمان المستقيم وحياة البرّ والتوبة.

فبفعل نعمة الروح القدس، حبلت العذراء مريم بيسوع فتكوّن يسوع في أحشائها، كما أعلن الملاك ليوسف (متّى ١: ٢٠). أعطت مريم ذاتها لله بالكلّيّة، بالنيّة والذهن والقلب والنفس والجسد، فكان لها الله أيضًا بأن تجسّد ابنه الوحيد منها. وبفعل الروح القدس عينه، يتصوّر يسوع في قلوبنا، إن تبنا إليه، إن أتيناه كالمجوس باحثين عنه، متلهّفين إليه، حاملين معنا «الذهب» بتقديمنا له عمل أيدينا، فهو الملك الذي يملك على كلّ مـمّا في السماء وما على الأرض؛ أو اللبان، بتقديمنا له صلواتنا القلبيّة، فهو الإله الذي نعبده بالروح والحقّ؛ أو المرّ، أي بتقديمنا له ذواتنا الفانية التي نفنيها في طريق خدمته، فهو المائت عنّا ومن أجل خلاصنا.

نعم، هذه هي طريق الإنجيل لنصير من نسبه، من لحمه ومن دمه، ليس فقط من طريق اتّحادنا بالقداسات، بل أيضًا من طريق عملنا الدؤوب وجهادنا في محبّته، على غرار مريم العذراء، فنتعلّم أن نعطيه ذواتنا، ويصير لنا «فكر المسيح» (١كورنثوس ٢: ١٦).

فمجموعات الأربعة عشر جيلًا الثلاث التي يتحدّث عنها الإنجيل (متّى ١: ١٧)، والتي تؤلّف ستّ مجموعات من سبعة أجيال، ليست سوى مدخل إلى المجموعة السابعة والأخيرة من الأجيال السبعة. وهذه المجموعة، على ضوء معنى رمزيّة الأرقام، هي كمال الأجيال والتي تجسّدها جماعة المؤمنين بيسوع، أي الكنيسة. هكذا يكون هذا النسب الجسديّ، أي نسبة يسوع إلينا، – وهو نسب انطلق بفعل إيمان إبراهيم بالله-، قد فتح الطريق أمام النسب الروحيّ، أي أن يُنسب الإنسان إلى الله. وهذا تحقّق في الكنيسة التي هي حاضنة الذين يتوبون إلى الله، وهي الحشا الذي يصوَّر فينا المسيح بواسطة الكرازة الرسوليّة، والأسرار المقدّسة، والتنشئة على حياة الفضيلة والصلاة والخدمة.

هاكم الكشف الأسمى في التاريخ الإنسانيّ: «الله معنا» (متّى ١: ٢٣)! ولكن قد يبقى كشفًا نظريًّا أو صوريًّا أو بعيدًا عن حياتي أو حياتنا كجماعة مؤمنة، طالما أنّنا لا نتّجه إليه، وإليه وحده، من كلّ القلب. فالرجاء الذي تحمله هذه العبارة يصير حقيقة ملموسة في حياتنا كلّما سعينا إلى أن نقلع، فرادى وجماعة، عن كبريائنا في وقفتنا في حضرة الملك، وريائنا في عبادتنا للإله الحقيقيّ، وأنانيّتنا أمام الفادي. فهذه المواقف الثلاثة تطرد منّا نسمة الرجاء الذي من العليّ، فيصير هذا الكشف حروفًا فقط، وليس منارة تضيء دربنا في مواجهة تحدّياتنا، أو حقيقة نعيشها فتملأ كياننا، أو كرازة حيّة تحمل استفقادًا ونورًا وتعزية، أو شهادة فاعلة حريّ بها أن تنعش العالم في الاختناق الروحيّ الذي يعاني منه.

كان ليوسف في حدث التجسّد كشف من الملاك، فانبرى على أثره «وفعل كما أمره ملاك الربّ وأخذ امرأته» (متّى ١: ٢٤). واليوم أيضًا لحظة حاسمة في حياتنا وعيشنا سرّ ميلاد يسوع. فاستعداد يوسف وتحفّزه في إعطاء ذاته لله وهمّته في السير في درب الخدمة الموكلة إليه، إنّما يميط اللّثام عن شكّ يراودنا، أو تهاون يثقل بنا، أو فتور يظلم علينا، فنتحرّر من هذه وتلك، فننهض مسبّحين مَن سبّحته الملائكة في السماء وسجد له المجوس على الأرض وافتقد ضعته الرعاة في الحقل.

ألا أعطيتنا يا ربّي أن نتّخذك كما اتّخذتنا، ونتّخذ إخوتنا كما اتّخذتهم! إنّها درب الإنجيل الذي كشفتَه لنا وأعلنتَه وافتديتَه وسلّمتَه إلى رسلك حتّى لا يبقى أيّ إنسان، على دروب العصر، بعيدًا أو غريبًا عن الحياة الأبديّة التي فيك. فالمجد لك يا ربّ، المولود في مغارة من أجلنا!

+ سلوان
متروبوليت جبيل والبترون وما يليهما
(جبل لبنان)

 

الرسالة: عبرانيّين ١١: ٩-١٠، ٣٢-٤٠

يا إخوة بالإيمان نزل إبراهيمُ في أرض الميعاد نزوله في أرض غريبة، وسكن في خيام مع إسحق ويعقوب الوارثين معه للموعد بعينه، لأنّه انتظر المدينة ذات الأسس التي الله صانعها وبارئها. وماذا أقول أيضًا؟ إنّه يضيق بي الوقت إن أخبرتُ عن جدعون وباراق وشمشون ويفتاح وداود وصموئيل والأنبياء الذين بالإيمان هزموا الممالك وعملوا البِرّ ونالوا المواعد وسدّوا أفواه الأسود، وأطفأوا حدّة النار ونجوا من حدّ السيف وتقوّوا من ضعف وصاروا أشدّاء في الحرب وكسروا معسكرات الأجانب، وأخذت نساء أمواتهنّ بالقيامة، وعُذّب آخرون بتوتير الأعضاء والضرب ولم يقبلوا بالنجاة ليحصلوا على قيامة أفضل، وآخرون ذاقوا الهُزء والجلْد والقيود أيضًا والسجن، ورُجموا ونُشروا وامتُحنوا وماتوا بحدّ السيف وساحوا في جلود غنم ومَعز وهم مُعوَزون مُضايَقون مجهودون (ولم يكن العالم مستحقًّا لهم)، وكانوا تائهين في البراري والجبال والمغاور وكهوف الأرض. فهؤلاء كلّهم، مشهودًا لهم بالإيمان، لم ينالوا المواعد، لأنّ الله سبق فنظر لنا شيئًا أفضل أن لا يَكمُلوا بدوننا.

 

الإنجيل: متّى ١: ١-٢٥

كتاب ميلاد يسوع المسيح ابن داود ابن إبراهيم. فإبراهيم ولد إسحق وإسحق ولد يعقوب ويعقوب ولد يهوذا وإخوته، ويهوذا ولد فارص وزارح من تامار، وفارص ولد حصرون وحصرون ولد أرام وأرام ولد عَميناداب وعَميناداب ولد نحشون ونحشون ولد سلمون وسلمون ولد بوعز من راحاب وبوعز ولد عوبيد من راعوث وعوبيد ولد يسّى ويسّى ولد داود الملك. وداود الملك ولد سليمان من التي كانت لأُريّا وسليمان ولد رحبعام ورحبعام ولد أبيّا وأبيّا ولد آسا وآسا ولد يوشافاط ويوشافاط ولد يورام ويورام ولد عُزّيّا وعُزّيا ولد يوتام ويوتام ولد آحاز وآحاز ولد حزقيّا وحزقيّا ولد منسّى ومنسّى ولد آمون وآمون ولد يوشيّا ويوشيّا ولد يَكُنْيا وإخوته في جلاء بابل. ومن بعد جلاء بابل يَكُنْيا ولد شألتئيل وشألتئيل ولد زَرُبابل وزَرُبابل ولد أبيهود وأبيهود ولد ألياقيم وألياقيم ولد عازور وعازور ولد صادوق وصادوق ولد آخيم وآخيم ولد ألِيهود وألِيهود ولد ألِعازار وألِعازر ولد متّان ومتّان ولد يعقوب ويعقوب ولد يوسف رجل مريم التي وُلد منها يسوع الذي يُدعى المسيح. فكلّ الأجيال من إبراهيم إلى داود أربعة عشر جيلًا، ومن داود إلى جلاء بابل أربعة عشر جيلًا، ومن جلاء بابل إلى المسيح أربعة عشر جيلًا.

أمّا مولد يسوع المسيح فكان هكذا: لمّا خُطبت مريم أُمّه ليوسف، وُجدت من قبل أن يجتمعا حُبلى من الروح القدس. وإذ كان يوسف رجُلُها صدّيقًا ولم يُرِد ان يُشْهِرها، همّ بتخليتها سرًّا. وفيما هو مفتكر في ذلك إذا بملاك الربّ ظهر له في الحُلم قائلًا: يا يوسف ابن داود، لا تخف أن تأخذ امرأتك مريم، فإنّ المولود فيها إنّما هو من الروح القدس. وستلد ابنًا فتسمّيه يسوع، فإنّه هو يُخلّص شعبه من خطاياهم (وكان هذا كلّه ليتمّ ما قيل من الربّ بالنبيّ القائل: ها إنّ العذراء تحبل وتلد ابنًا ويُدعى عمّانوئيل الذي تفسيره الله معنا). فلمّا نهض يوسف من النوم، صنع كما أمره ملاك الربّ، فأخذ امرأته ولم يعرفها حتّى وَلدت ابنها البكر وسمّاه يسوع.

 

 

Raiati Archives

 

 

 

 

 

 

 

من نسب إنسان إلى نسب الله: إنجيلنا على دروب العصر