...

كلمة الراعي مبارزة الاتّضاع وثمارها

حادثة شفاء عبد قائد المئة عن بُعد تقودنا إلى الاتّضاع العذب أمام طرفَي العلاقة: يسوع وقائد المئة. تخال نفسك أمام مباراة في الاتّضاع وتنتظر بلهفة مَن يخرج منتصرًا منها. لعلّ انتظارًا كهذا ملغوم منذ البدء، لأنّ التباري في الاتّضاع سيُنشئ حكمًا اتّضاعًا أكبر، الأمر الذي سيصعب معه تقدير مَن فاز في المباراة. هل يهمّك أن تتابع أشواطها؟ بالطبع نعم، فحياتك موضوعة على محكّ رؤية النتيجة، لأنّك إمّا تخرج منتصرًا أو منهزمًا في ذاتك، ولو كنتَ الآن من مشاهدي أحداثها أو مستمعي سردها.

يفتتح قائد المئة الجولة بوضع مسألة عذاب غلامه أمام يسوع، فينبري يسوع إلى تلقّف المناسبة ويطرح المبادرة بالذهاب إليه فورًا ليشفيه. القائد يتّضع بشأن غلامه، والإله المتجسّد يتّضع بشأن المخلوق على صورته. كلاهما يمشيان على الطريق ذاتها: من جهة، الانحناء الخفر والمحبّ أمام واقع الإنسان المعذّب، ومن جهة أخرى، الاستعداد الكريم والنبيل لرفع هذا الواقع عن كاهله. ينقلنا وقع هذا الحوار: «يا سيّد، غلامي مطروح في البيت مفلوجًا متعذّبًا جدًّا… أنا آتي وأشفيه» (متّى ٨: ٦-٧)، لنقف أمام مشهد مدهش يظهر فيه ثنائيّ متناغم ومتجانس ومثاليّ بانحنائهما كلَيهما أمام هذا الغلام المعذّب الذي نحمل نحن صورته فينا.

كان على هذا الاتّضاع أن يمرّ في امتحان ممارسة السلطان والقوّة، امتحان مرير للنفس المتواضعة، بحيث لا يتأذّى هو ولا يؤذي بدوره أحدًا من جرّاء ممارستهما. هذا ما نستشفّه من توصيف القائد لخدمته وطريقة قيادته لجنده وطريقة تجاوبهم معه. هكذا صرّح أمام يسوع: «أنا أيضًا إنسان تحت سلطان. لي جند تحت يدي. أقول لهذا: اذهبْ! فيذهب، ولآخر: إئتِ! فيأتي، ولعبدي: إفعلْ هذا! فيفعل» (متّى ٨: ٩). لقد أدّت طريقة ممارسته لسلطانه إلى خلق جوّ تناغم بين رئاسة صالحة وطاعة مرنة، بحيث أتى أداء هذه الفرقة العسكريّة منضبطًا في المناخ الذي خلقه هذا القائد بين أعضائها.

امتحان ممارسة السلطان والقوّة أكسب هذا القائد حكمةَ أن يضع الواحد نفسه عن غيره معيارًا لتعاطي الواحد مع الآخر. وفي هذا لا توجد منّة أبدًا بين رئيس ومرؤوس. هذا ما يشي به كلام القائد في الجولة الثانية من مباراة التواضع: «يا سيّد، لستُ مستحقًّا أن تدخل تحت سقفي، لكن قلْ كلمة فقط فيبرأ غلامي» (متّى ٨: ٨). هذه المرّة ينحني القائد أمام يسوع انحناءة العارف لنفسه معرفة حقيقيّة، فهو غير مستحقّ، والعارف أيضًا بشخص يسوع وقدرته، إذ كلمة واحدة منه تفي بالغرض وتحقّق المنى.

أمام هذا التصريح البليغ والنافذ إلى الجوهر، لاقاه يسوع باتّضاع أكبر، إذ انحنى أمام تواضع قائد المئة بإعلانه أمام الملء: «الحقّ أقول لكم، لم أجدْ ولا في إسرائيل إيمانًا بمقدار هذا» (متّى ٨: ١٠)! لقد غبّطه ورفعه فوق مَن كان يُفترض بهم أن يقبلوه مسيحًا. ولم يقف يسوع عند هذا الحدّ، بل أتبعه بتصريح آخر أبلغ منه، وفيه ينحني يسوع أمام أمثال هذا القائد عبر العصور الذين سيؤمنون به على شاكلته: «إنّ كثيرين سيأتون من المشارق والمغارب ويتّكئون مع إبراهيم وإسحق ويعقوب في ملكوت السماوات» (متّى ٨: ١١).

خاتمة الحادثة بسيطة للغاية. ففي المقلب الأوّل منها فرحٌ: فرح يسوع بإيمان القائد، وفرح القائد وغلامه بالشفاء المعطى. هذا ما عبّرت عنه كلمة يسوع لقائد المئة، ولنا من بعده: «اذهبْ وكما آمنتَ ليكنْ لك» (متّى ٨: ١٣). لقد كان الفرح المشترك هو الميداليّة التي ربحها المشاركون في هذه المباراة. إنّه الفرح الـمُعطى لنا بيسوع ومنه. أمّا في المقلب الآخر، فهناك حزن مخزٍ على فقدان فرصة الفرح هذه، وهذا ما توحي به كلمة يسوع الموجّهة إلينا بشكل خاصّ: «أمّا بنو الملكوت فيُطرحون إلى الظلمة الخارجيّة. هناك يكون البكاء وصرير الأسنان» (متّى ٨: ١٢). فهل فاتتنا أم ستفوتنا فرصة الاتّضاع المبارك في معارج حياتنا فينطبق علينا كلام الربّ هذا؟ أم سندخل معموديّة نار الاتّضاع ليلاقينا يسوع على دروبها فيرفعنا معه ويرفع مَن نقرّب إليه في صلواتنا وخدمتنا؟ في كلتَي الحالتَين، رجاؤنا أن يشفينا الربّ من عدم اتّضاعنا وقلّة إيماننا لتصير طلبتنا حسنة القبول لديه ونصير خير خدّام لعهده الجديد.

سلوان متروبوليت جبيل والبترون وما يليهما (جبل لبنان)

الرسالة: رومية 6: 18-23

18 وإذ أعتقتم من الخطية صرتم عبيدا للبر. 19 أتكلم إنسانيا من أجل ضعف جسدكم. لأنه كما قدمتم أعضاءكم عبيدا للنجاسة والإثم للإثم، هكذا الآن قدموا أعضاءكم عبيدا للبر للقداسة. 20 لأنكم لما كنتم عبيد الخطية، كنتم أحرارا من البر. 21 فأي ثمر كان لكم حينئذ من الأمور التي تستحون بها الآن؟ لأن نهاية تلك الأمور هي الموت. 22 وأما الآن إذ أعتقتم من الخطية، وصرتم عبيدا لله، فلكم ثمركم للقداسة، والنهاية حياة أبدية. 23 لأن أجرة الخطية هي موت، وأما هبة الله فهي حياة أبدية بالمسيح يسوع ربنا..

.

 

الانجيل: متى 8: 5-13

في ذلـك الزمان، دخـل يـسوع كفرنـاحوم فدنا اليه قائـد مـئـة وطلب اليه قائلا: يا رب إن فتايَ مُلقى في البيت مخلّعا يـُعذّب بـعذاب شديـد. فقال له يسوع: أنا آتـي وأشــفـيـه. فـأجـاب قـائـد المئـة قـائـلا: يـا رب لسـتُ مستحقا أن تدخلَ تحت سقفي، ولكن قُلْ كلمة لا غير فيبرأ فتاي. فإني أنا إنسان تحت سلطان ولي جند تحت يدي، أقول لهذا اذهب فيذهب، وللآخر ائت فيأتي، ولعبدي اعملْ هذا فيعمل. فلمّا سمع يسوع تعجّب وقال للذين يتبعونـه: الحق اقـول لكم إني لم أجد ايمانـا بمقـدار هذا ولا في إسرائيل. أقول لكم إن كثيرين سيأتون من المشارق والمغـارب ويتّكئون مع إبراهيم وإسحق ويعقـوبَ في ملكـوت السماوات، واما بنـو الملكـوت فيُلـقون في الظلمة البرّانية. هناك يكون البكاء وصريف الأسنان. ثم قال لقائد المئة: اذهب وليكن لك كما آمنت. فشُفي فتاه في تلك الساعة.

Raiati Archives

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

كلمة الراعي

مبارزة الاتّضاع وثمارها