...

كلمة الراعي الواقع الراهن بين محمول على نعش أو محمول بالإيمان

مسيرة الإيمان بالقيامة سارها معنا يسوع وأعطانا محطّات مختلفة حتّى يستضيء عقلنا وقلبنا بها فنتبنّاها وتصير حقيقة نبني حياتنا على أساسها. إحدى هذه المحطّات نعثر عليها في مبادرة يسوع في جنازة الابن الوحيد لأرملة نائين.

 

أمام نعش هذا الشابّ تأخذنا أفكارنا ومشاعرنا إلى أمّه التي تخنقها العبرات، ويضيق صدرها بفقدان ابنها الوحيد بعد أن فقدت زوجها، وتختلط عليها المشاعر بشأن معنى الحياة والموت. بالحقيقة، شأنُها هو شأننا أيضًا. أَوَليست خبراتنا مشتركة في هذا المجال؟ فما الجديد الذي يضيء به علينا إقامة يسوع لابن أرملة نائين؟

أوّلًا، حضور يسوع في الجنازة. يواجه يسوع واقعنا معنا. ونحن بدورنا مدعوّون إلى أن نواجه واقعنا هذا معه. فإن حدثت هذه المبادلة الأساسيّة، أضاءت على حياتنا وعبورنا لهذه التجربة، وثبّتت دعائم إيماننا بالمسيح. غياب هذه المبادلة يفقدنا حضور يسوع في جنازاتنا كما كان في جنازة ابن هذه الأرملة، وهناك تكون الخسارة مزدوجة، لأنّه من دون نور الإيمان يصير الموت نهاية مشؤومة وليس بداءة مغبوطة.

ثانيًا، حنان يسوع تجاه الأمّ الثكلى. شارك يسوعُ هذه الأمّ في مصابها كما يشاركنا في مصابنا. كلّمها بسلطان عندما طلب منها ألّا تبكي (لوقا ٧: ١٣). أراد أن يهيّئها والذين معها إلى ما هو مزمع أن ينكشف، أي قدرة الله على الحياة والموت بآن، وأن يكون حدث إقامة ابنها والإيمان بالقيامة الداعي إلى الكفّ عن البكاء على قدر محتوم، وهو عودتنا إلى التراب عوضًا من أن يكون معبرًا لعودتنا إلى البيت الأبويّ.

ثالثًا، كلمة يسوع النافذة نحو الشابّ المائت. أمر يسوع ميتًا: «أيّها الشابّ، لك أقول قُمْ» (لوقا ٧: ١٤). فبعد تحنّنه، أظهر يسوع حقيقته. فهو يخاطب المخلوق على صورته حيًّا كان أو ميتًا. فإذا أصغى هنا

الميت إلى صوته ونفّذ أمره، فكم بالحريّ على الأحياء أن يبادروا إلى الإصغاء إليه طوعًا؟ أَليس علينا أن نصغي إلى الحقّ؟ بات ما حدث مع هذا الميت برهانًا صامتًا وصارخًا يبكّت ضمائرنا حول أخذنا كلام يسوع على محمل الجدّ.

رابعًا، قدرة يسوع على إحياء الشابّ. فمع ما أظهره يسوع من الحنان والتعبير عن الحقّ، انكشفت قدرة يسوع وسلطانه بأن يقيم ميتًا من الموت. عاد هذا الشابّ إلى الحياة الأرضيّة من جديد: «فجلس الميت وابتدأ يتكلّم» (لوقا ٧: ١٥). ارتبط القول بالفعل، والقصد بالحقيقة، والمحبّة بالحياة، والإنسان بالله. أتى كشف هذا السلطان تجسيدًا لمحبّة الله وإظهارًا للحقيقة التي يقدّمها للإنسان حتّى يأخذ بها بالإيمان.

خامسًا، تقديم يسوع الشابّ إلى أمّه. «فدفعه إلى أمّه» (لوقا ٧: ١٥). هل في هذه الحركة عود على بدء؟ أم تسليم لوديعة بات علينا النظر إليها من منظار ما قصد يسوع أن يقودنا إليه؟ أي معرفته في المحبّة والحقّ والقدرة التي يعبّر عنها باسم أبيه؟ فهل نستلم هذه الوديعة في علاقتنا مع أبنائنا فنبنيهم على الإيمان بيسوع الغالب للموت والمعطي الحياة الأبديّة؟

سادسًا، حضور يسوع في الجماعة الشاهدة للحدث. هاكم ما صاح به المشاركون في الجنازة أو الشاهدون للمعجزة: «قد قام فينا نبيّ عظيم وافتقد الله شعبه» (لوقا ٧: ١٦). انتزعت الحادثة من قلوب هؤلاء مكانًا لله فيهم ولكلمته وتدبيره. فإن ثبتْنا في الإيمان بيسوع وعملنا بمقتضاه، سرْنا سيرًا حثيثًا في معارج هذه الحياة نحو عتبة الشركة الدائمة مع الله، بخوف وتمجيد كما حصل مع الذين أطلقوا هذه الصيحة.

فهل ميّعنا يا تُرى إيماننا حتّى إنّه لا تحرّك فينا علامات الله هذه ونزوله إلينا لا «الخوف» ولا «التمجيد»؟ هل آثرنا، بالعمق، أن نبقى أسرى عدم إحساسنا بافتقاد الله الدائم لنا، بينما تلوّثت عقولنا بأشكال الموت المعشّشة فينا أو حولنا؟ هلّا تركنا مجالًا ليسوع لينادينا كلّ يوم ويقيمنا من الموت الذي فينا؟ هلّا تركناه يلامسنا بحنانه وكلمته وقصده وأمره؟ هلّا حملنا واقعنا من جديد بناء على عمل الله المحيي فيه، ورفعنا به عالمنا ومجّدنا به خالقنا؟ نعم، الفرصة سانحة، والربّ مبادر، فهل ستتوقّف عن البكاء على واقعك الراهن وتأخذه بين يدَيك وتقيمه بالإيمان بيسوع؟

+ سلوان متروبوليت جبيل والبترون وما يليهما (جبل لبنان)

 

الرسالة: ٢ كورنثوس ٦: ١-١٠

يا إخوة، بما أنّا معاونون نطلبُ إليكم ألّا تقبلوا نعمة الله في الباطل لأنّه يقول إنّي في وقتٍ مقبول استَجَبتُ لك وفي يوم خلاصك أعنتُك. فهوذا الآن وقتٌ مقبول، هوذا الآن يومُ خلاص. ولسنا نأتي بمعثرة في شيء لئلا يلحَقَ الخدمَةَ عيبٌ. بل نُظهرُ في كلّ شيء أنفسنا كخدّام الله في صبرٍ كثير، في شدائد، في ضرورات، في ضيقات، في جلدات، في سجون، في اضطرابات، في أتعاب، في أسهار، في أصوام، في طهارة، في معرفة، في طول أناة، في رِفق في الروح القدس، في محبّة بلا رياء، في كلمة الحقّ، في قوّة الله بأسلحة البرّ عن اليمين وعن اليسار. بمجدٍ وهوانٍ، بسوء صِيتٍ وحُسنِه كأنّا مُضِلّون ونحن صادقون، كأنّا مجهولون ونحن معروفون، كأنّا مائتون وها نحن أحياء، كأنّا مؤَدَّبون ولا نُقتَل، كأنّا حزانى ونحن دائمًا فرحون، كأنّا فقراء ونحن نُغني كثيرين، كأنّا لا شيء لنا ونحن نملك كلّ شيء.

 

الإنجيل: لوقا ٧: ١١-١٦

في ذلك الزمان كان يسوع منطلقًا إلى مدينة اسمها ناين، وكان كثيرون من تلاميذه وجمعٌ غفيرٌ منطلقين معه. فلمَّا قرُب من باب المدينة إذا مَيِّتٌ محمولٌ وهو ابن وحيدٌ لأُمّه وكانت أَرملةً وكان معها جمع كثير من المدينة. فلمَّا رآها الربُّ تحنّن عليها وقال لها: لا تبكي. ودنا ولمس النعشَ فوقف الحاملون. فقال: أيّها الشابُّ لك أقول قُم. فاستوى الميِّتُ وبدأ يتكلَّم فسلَّمه إلى أمّه. فأخذ الجميعَ خوفٌ ومجَّدوا الله قائلين: لقد قام فينا نبيٌّ عظيمٌ وافتقد اللهُ شعبه.

 

 

 

 

Raiati Archives

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

كلمة الراعي

الواقع الراهن بين محمول على نعش أو محمول بالإيمان