...

كلمة الراعي استقلال الذات

كلنا يعلم أن الإنسان مرتبط بعائلته وعمله وبيئته ووطنه والعالم، بالشمس والقمر وكل ما يشغله من ماضيه، بجسده وصحته وأمراضه، بمشاكل الدنيا التي يتحسّسها ولا سيما بوطأة الحال الاقتصادية. إنه وريث ماضيه، متخوّف مِن آتيه او ممتد إليه بالرجاء.

الإنسان يبكي لأنه في عوز، في جفاف العاطفة، في النقصان على أنواعه. انه في حال التكوّن الدائم او الانفراط او كليهما، قصبة تذرّيها الريح عن وجه الأرض. يتّكل على ذويه والأصدقاء لاحتسابه أنه يبقى في عطفهم. يمتد من الآخرين الى ذاته، وقد لا يؤمن كثيرا بذاته اذ يحسب انه قائم برضاء هذا وذاك. هكذا إنسان القبيلة الذي يذوب في الجماعة ويردد ما تقول. الفرد تحميه الجماعة او هكذا يظن. هذا يُعفيه من مواجهة نفسه ورؤية مسؤولياته، ويردد أقوال من يلوذ بهم ويشاركهم مشاعرهم على الأقل تعبيرا. الاندماج بالآخرين قولا او فعلا يريح الفرد. لا يبقى عليه ان يحاكم ذاته اذ قد يكون في ذلك حكم على ذاته. أن يذوب أحدنا في الآخر يريحه. الانسان مغرى بالهروب لأن الرؤية رؤية الذات التي قد تكون قبيحة.

ويهرب الى عائلته أو الى قبيلته أو الى مهنته أو الى حزبه. وبسبب من هروبه الى هنا وهناك لا يعرف له مركز. هذا هو تشتّت النفس او ضياعها. وفي الضياع الكبير تلفٌ لطاقات كبيرة. حتى تجمع أشياء كثيرة في نفسك، يجب أن تعي نفسك واحدة قادرة أن تتخذ في ذاتها أُمورًا من الحياة عديدة.

هذا يعني أنك تجيء من نفسك وأنك تراها واحدة. أما إذا لم ترَ وحدة ذاتك، تتناثر فيك الأشياء وتتصادم الى أن يجمعك الله اليه في احتضان.

ما من شك أن الإنسان الذي في الكون ممتدة قدراته الى كل الآفاق، وتُوحدها المحبة إن هي نزلت عليه. بلا المحبة الإلهية تنسكب علينا تظلّ نفسنا مبعثرة، مشتتة. اذا لم تتمحور حول الرب تبقى مكسورة او مهتزّة. هذا قانون الانهزام لكل نفس اعتراها الضعف على رجاء أن ينهض ربها بها.

الاستقلال عما هو خارج عن كياننا شرط ليقوى كيانُنا بالرب. روحه الساكن فينا يصبح سندا لكياننا. هو الذي “يشفع فينا بأنّات لا توصف”. اذا سكن روح الرب فينا، يصير كل كياننا مشدودا الى الرب ويبدأ استقلالنا عن المخلوقات وعلى ما يشدّنا الى هذه الدنيا التي تحاول كل قواها أن تسيطر علينا.

غير أن النفس لا تستقلّ عن العناصر الضاغطة علينا ما لم يسكنها الروح القدس. هذا ينبغي أن نقبله سيّد النفس لتزول عنها كل سيادة اخرى. والروح فينا يحرّكنا بقوته ويطرد عنا كل عدوّ، وتبدأ، اذ ذاك، هيمنة الله.

الله فينا نذوق أنه أَمسى كل شيء في حياتنا.

جاورجيوس مطران جبيل والبترون وما يليهما (جبل لبنان)

الرسالة: 1 كورنثوس 8:8-2:9

يا إخوة ان الطعام لا يُقرّبنا إلى الله، لأنَّا إن أكلنا لا نزيد وإن لم نأكل لا ننقص. ولكن انظروا أن لا يكون سلطانكم هذا معثرة للضعـفاء، لأنه إن رآك أحدٌ، يا من له العلْم، متّكئا في بيت الأوثان، أفلا يتقوّى ضميرُه وهو ضعيفٌ على أكل ذبائح الأوثان، فيَهلكُ بسبب علْمك الأخُ الضعيف الذي مات المسيحُ لأجله. وهكذا إذ تُخطئون إلى الإخوة وتجرحون ضمائرهم وهي ضعيـفة إنما تُخطئون إلى المسيح. فلذلك إن كان الطعام يُشكّكُ أخي فلا آكل لحما إلى الأبد لئلا أُشكّك أخي. ألستُ انا رسولا؟ ألستُ انا حرا؟ أما رأيتُ يسوع المسيح ربنا؟ ألستم أنتم عملي في الرب؟ وإن لم أكن رسولا إلى آخرين فإنـي رسول إليكم، لأن خاتـم رسالتـي هو أنـتم في الرب.

الإنجيل: متى 31:25-46

قال الرب: متى جاء ابنُ البشر في مجده وجميعُ الملائكـة القديسين معه، فحينئذ يجلس على عرش مجده، وتُجمع اليـه كل الأمم، فيُميّز بعضَهم من بعض كما يميّز الراعي الخراف من الجداء، ويُقيم الخراف عن يمينه والجداء عن يساره. حينئذ يقول الملكُ للذين عن يمينه: تعالوا يا مبارَكي أبي رثوا المُلْك المُعدّ لكم منذ إنشاء العالم لأني جُعـتُ فأطعمتموني

وعطشتُ فسقيتمـوني وكنتُ غريبا فآويتموني وعريانا فكسوتموني ومريضا فعُدتموني ومحبوسا فأَتيتم إليّ. حينئذ يُجيبه الصدّيقون قائلين: يا رب متى رأيناك جائعا فأطعمناك او عطشانَ فسقيناك، ومتى رأيناك غريبا فآويناك او عريانا فكسوناك، ومتى رأيناك مريضا أو محبوسا فأتينا اليك؟ فيُجيب الملك ويقول لهم: الحق أقول لكم بما أنكم فعلتم ذلـك بأحد إخوتي هؤلاء الصغـار فبي فعلتمـوه. حينئـذ يقول أيضا للذين عن يساره: اذهبوا عنّي يا ملاعين إلى النار الأبدية المُعدّة لإبليس وملائكتـه، لأني جعتُ فلم تـُطعموني وعـطشـتُ فلم تـسقوني وكنتُ غريبا فلم تئووني وعريانا فلم تكسوني ومريضا ومحبوسا فلم تزوروني. حينئذ يُجيبونه هم ايضا قائلين: يا رب متى رأيناك جائعا او عطشانَ او غريبا او عريانا او مريضا او محبوسا ولم نخدمك؟ حينئذ يجيبهم قائلا: الحق أقول لكم بما أنكم لم تفعـلوا ذلك بأحد هؤلاء الصغار فبي لم تفعلوه. فيذهـب هؤلاء إلى العذاب الأبديّ، والصدّيقون الى الحياة الابـديّة.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

كلمة الراعي

استقلال الذات