...

كلمة الراعي ارحم رفيقك كما رحمتك أنا

هذا الأحد اليوم يتوسّط بين عيد التجلّي وعيد ارتفاع الصليب. في التجلّي وُعدنا بأنّنا سنتلألأ بضياء الإنجيل كما تلألأ المسيح على الجبل. وفي الصليب سوف ينتصر المسيح ويغفر لنا. ولكن كي نتجلّى ويُغفر لنا ينبغي أن نحبّ كما علّمنا المثل الإنجيليّ.

حكى السيّد هذا المَثَل عن ملك كان دائنًا لعبد له عشرة آلاف وزنة التي تساوي مئات الملايين بعملة اليوم، أي أنّه كان دينًا عظيمًا وكأنّ الإنجيل يريد أنّ الملك هو الله نفسه وأنّنا مدينون له بما لا يُقدّر، مدينون له أوّلًا بالحياة ومدينون بما هو أهمّ من الحياة، بالفداء الذي تمّمه يسوع على الصليب وبالحياة الأبديّة وغفران خطايانا عندما نتوب عنها.

الله كما قال العبد تمهّل أي أنّه لا يعاقب الإنسان إذا استمهله الإنسان، أي إذا أدرك الانسان خطأه وأراد أن يصحّحه. السيّد يريد كلّ أبنائه ولو كانوا خطأة لأنّه يحبّ جميع أبنائه، «فإنّه يشرق شمسه على الأشرار والصالحين ويُمطر على الأبرار والظالمين» (متّى ٥: ٤٥). الناس على مختلف أنواعهم ومذاهبهم وسلوكهم يتمتّعون بالمتع الواحدة التي يعطيها الله لأحبّائه بطرائق مختلفة. الله مربّ يعاملنا حسب المحبّة.

العبد الذي سُمح له بدين كبير كان له دين تافه، مئة دينار، في ذمّة عبد آخر، وكلّ ثلاثة آلاف دينار تساوي وزنة واحدة، فأخذ يضربه وكاد يميته ووضعه في السجن.

والمَثَل الذي يستخرجه يسوع من هذه القصّة هو أنّك إن أردتَ رحمة من ربّك عليك بدورك أن تكون رحيمًا للناس. إن أحببتَ يتّسع صدرك، أن تكون واسع الصدر مع الناس وأن ترحم.

لماذا يجب أن يتّسع صدرنا وأن نرحم؟ لأنّ الناس وحدهم، كلّ إنسان وحده، كلّ إنسان شقيّ. ومهما كنّا سُعداء فنحن بالنهاية نعيش في عزلة ولا يُخرجنا من العزلة إلاّ الله وحده. كلّ ما لنا يزول: العائلة، الأرزاق، المال، والله وحده الصديق. كلّ إنسان يريد أن يفتقده آخر، أن يلتفت إليه وجه آخر، أن يطلّ عليه جار، ولكنّ الذي يطلّ بالحقيقة هو الربّ.

كيف نرى الربّ؟ الله لا نرى له وجهًا ولكنّنا نسمع كلمته ونحسّ بنعمته. الله يطلّ علينا بواسطة الآخرين وهو أحد الناس الذين نفتقدهم. وهم إذا افتقدونا نحسّ أنّ الله قد افتقدنا. إذا أحبّونا نعرف أنّ الله قد أحبّنا. يريد الآخرون أن نحبّهم في الضيق، ولذلك نعزّي بعضنا بعضًا ونفرح بعضنا لبعض آخر. قد يكون هذا أحيانًا على سبيل الرياء والمصانعة أو على سبيل العادة ولكنّ الإنسان يريد عاطفة صحيحة صادقة.

يكون الإنسان في ضيق ليس فقط إذا فقدَ عزيزًا. قد يكون في ضيق نفسيّ وإذا رأينا على قريبنا أو جارنا علامات الملل والضجر، فعلينا أن نفتقده. هذا ضروريّ في الحياة العائليّة بنوع خاصّ. علينا أن نكون رحماء تجاه الناس لكي يرحمنا الربّ.

جاورجيوس مطران جبيل والبترون وما يليهما (جبل لبنان)

 

الرسالة: ١كورنثوس ٩: ٢-١٢

يا إخوة إنّ ختم رسالتي هو أنتم في الربّ، وهذا هو احتجاجي عند الذين يفحصونني. ألعلّنا لا سلطان لنا أن نأكل ونشرب، ألعلّنا لا سلطان لنا أن نجول بامرأةٍ أختٍ كسائر الرسل وإخوة الربّ وصفا؟ أَم أنا وبرنابا وحدنا لا سلطان لنا ألاّ نشتغل؟ من يتجنّد قطّ والنفقة على نفسه؟ من يغرس كرمًا ولا يأكل من ثمره؟ أو من يرعى قطيعًا ولا يأكل من لبن القطيع؟ ألعلّي أتكلّم بهذا بحسب البشريّة أَم ليس الناموس أيضًا يقول هذا؟ فإنّه قد كُتب في ناموس موسى: لا تكُمّ ثورًا دارسًا. ألعلّ الله تهمّه الثيران، أو قال ذلك من أجلنا لا محالة؟ بل إنّما كُتب من أجلنا. لأنّه ينبغي للحارث أن يحرث على الرجاء وللدارس على الرجاء أن يكون شريكًا في الرجاء. إنْ كنّا نحن قد زرعنا لكم الروحيّات أفيكون عظيمًا أن نحصد منكم الجسديّات؟ إن كان آخرون يشتركون في السلطان عليكم أفلسنا نحن أَولى؟ لكنّا لم نستعملْ هذا السلطان بل نحتمل كلّ شيء لئلّا نُسبّب تعويقًا ما لبشارة المسيح.

 

الإنجيل: متّى ٢٣:١٨-٣٥

قال الربّ هذا المثل: يشبه ملكوت السماوات إنسانًا ملكًا أراد أن يحاسب عبيده. فلمّا بدأ بالمحاسبة أُحضر إليه واحد عليه عشرة آلاف وزنة، وإذ لم يكن له ما يُوفي، أَمَرَ سيّدُه بأن يُباع هو وامرأته وأولاده وكلّ ما له ويوفى عنه. فخرّ ذلك العبد ساجدًا له قائلًا: تمهّل عليّ فأُوفيك كلّ ما لك. فرقّ سيّد ذلك العبد وأَطلقه وترك له الدين. وبعدما خرج ذلك العبد وجد عبدًا من رفقائه مديونًا له بمئة دينار فأمسكه وأخذ يخنقه قائلًا: أَوفني ما لي عليك. فخرّ ذلك العبد على قدميه وطلب إليه قائلًا: تمهّل عليّ فأوفيك كلّ ما لك، فأبى ومضى وطرحه في السجن حتّى يوفي الدين. فلمّا رأى رفقاؤه ما كان حزنوا جدًّا وجاؤوا فأعلموا سيّدهم بكلّ ما كان. حينئذٍ دعاه سيّده وقال: أيّها العبد الشرّير كلّ ما كان عليك تركتُه لك لأنّك طلبتَ إليَّ. أفما كان ينبغي لك أن ترحم أنت أيضًا رفيقك كما رحمتُك أنا؟ وغضب سيّده ودفعه إلى المعذِّبين حتّى يوفي جميع ما له عليه. فهكذا أبي السماويّ يصنع بكم إن لم تتركوا من قلوبكم كلّ واحد لأخيه زلّاته.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

كلمة الراعي

ارحم رفيقك كما رحمتك أنا