...

كلمة الراعي أن تحبّ فعلًا لا قولًا

يفتح يسوع عينَيك على الحياة بكامل معناها، أي الحياة مع الله والحياة مع أترابك، عبر حوار جرّه إليه ناموسيّ لكنّ يسوع قاده فيه إلى رؤية الحقيقة، تلك الكامنة في كلمة الله وتلك التي علينا أن نجسّدها في سلوكنا وحياتنا بالإيمان الفاعل بالمحبّة. عبّر يسوع عن هذا الارتباط في مثل السامريّ الشفوق وفضح الرياء والإهمال الذي يغلّف ممارستنا على أرض الواقع، وذلك عبر اختياره شخصيّات المثل: الكاهن واللاويّ والسامريّ. فما معنى أن تصنع الرحمة؟ ماذا يعني أن تحبّ فعلًا لا قولًا فحسب؟

أن تحبّ فعلًا يعني أن تلمس أوّلًا محبّة الله لك ولسائر الناس، وأنّ صلاحه يشمل الكلّ، فهو القائل: «يشرق شمسه على الأشرار والصالحين ويمطر على الأبرار والظالمين» (متّى ٥: ٤٥).

أن تحبّ فعلًا يعني أن تفهم إرادة الله وتحبّها وتتبنّاها، فتتعلّم أن تصوّر محبّتك انطلاقًا من محبّة الله لك وعلى شاكلتها، طالبًا إليه النعمة في سبيل تجسيدها مع أقرانك وفي حياتك.

أن تحبّ يعني أن تكون مع المسيح حيث هو، إن كنتَ خادمَه. فهو اتّخذنا كلّنا بتجسّده وخدم خلاصنا، أي نموّنا في كمال إنسانيّتنا حتّى نتّحد بالله ونكون في شركة تامّة معه. ربّ قائل: طالما أنّك خادم لله، فافعلْ ما قد يفعله المسيح لو كان في مكانك.

أن تحبّ فعلًا يعني أنّ تدع تواضع المسيح يلمسك في العمق، فيصير الأرضيّة الصالحة في علاقتك مع إخوتك وأترابك. فالمتكبّر لا يسعه أن يرى أحدًا أو شيئًا بعين المؤمن الذي يبحث عن تحقيق قصد الله في حياته وحياة سواه.

أن تحبّ فعلًا يعني أن تتعهّد واقعك وأن تبني طريق المعيّة مع أترابك في صيرورة تكشف معالمَها الحياةُ المشتركة ونورُ الإيمان الذي يهدي اتّجاهها وغايتها. هكذا تغلّف واقعك وواقع أترابك وحاجاتهم وضعفاتهم بغلاف الخدمة الصبورة والمتأنّية.

أن تحبّ فعلًا يعني أن تبدّي غيرك عليك، في الاحترام والكرامة، ولكن أيضًا في الانتباه والرعاية والاحتضان، بحيث لا ينحصر اهتمامك بما هو خاصّ بك، بل تشمل بعنايتك القائمين حولك في معيّة الحياة.

أن تحبّ فعلًا يعني أنّك تصبر على أوهان الآخرين، الأمر الذي يتطلّب منك حتمًا أن تبذل من وقتك ومواردك ومن صحّتك، ولكن بالأخصّ أن تضبط انفعالاتك تجاه أخطائهم أو مرارتك من ظلمهم وذلك بأن تتعلّم الصلاة من أجلهم وتضع نفسك في خدمتهم.

أن تحبّ فعلًا يعني أنّ تبذل نفسك، بحيث تبقى حرًّا لتخدم ومستعدًّا للخدمة متى طُلبت منك، بحسب ما يشي به قول الربّ: «مَن سخّرك ميلًا واحدًا فاذهبْ معه اثنَين» (متّى ٥: ٤١).

أن تحبّ فعلًا يعني أنّك تعلّمتَ أن تنسى نفسك، فلا تبقى هي مركز اهتمامك وانشغالك ومحور حياتك، بل تنضج أكثر فأكثر بأن تتعلّم أن تعطيها. فنكران الذات هو إيّاه نسيانها في طريق اتّباع المسيح وحمل صليب خدمة الآخر.

تجسيد إيماننا المسيحيّ في الحياة اليوميّة أمر يشكّل مرآة لصاحبه. فالبشرى التي حملها يسوع والتي نؤمن بها تحتاج منّا إلى موقف واعٍ ورصين في تبنّيها عبر تعلّم قراءة الكلمة الإلهيّة وفهمها وتسليط ضوئها على حياتنا، وعبر خيارات وسلوكيّات نعيشها. مثل السامريّ الشفوق ينزعنا اليوم من عزلتنا وعدم اكتراثنا بالقريب إلى لقاء به مثمر ومحبّ. خبرات عديدة في بلدنا في السنتَين المنصرمتَين فتّحت أعيننا على هذه الحقيقة رغم الضائقة الكبرى التي نعيشها. هذه تشكّل خميرة نرجو أن تخمّر العجين كلّه، أينما كنّا، بحيث نلطّف مآسي الدهر الحاضر ببلسم المحبّة والنعمة بسواعد خادمة لقريبها. فهل توقظنا وتجدّد طاقتنا دعوة الربّ للناموسيّ: «اذهبْ أنتَ أيضًا واصنعْ هكذا»، أي اصنعْ مثل السامريّ «الذي صنع الرحمة» مع عدوّه اليهوديّ المجروح (لوقا ١٠: ٣٧)؟

+ سلوان متروبوليت جبيل والبترون وما يليهما (جبل لبنان)

 

الرسالـة: عبرانيين 7: 26 – 8: 1-2

يا إخـوةُ، إنـّا يُلائمنا رئيسُ كهنةٍ مثلُ هذا بارٌّ بلا شـرّ ولا دنـس مُنـَزَّه عـن الخطأة قد صار أعلى من السمـوات. لا حـاجـةَ لـه أن يُقـرِّبَ كـلّ يـوم مثـلَ رؤساء الكهنة ذبائحَ عن خطاياه أولاً ثم عن خطايا الشعب. لأنـّه قـضى هذا مرّة واحدة حين قـرّبَ نفسه. فإنّ النـامـوس يـُقـيـم أُنـاسًا بهم الضعــف رؤسـاءَ كهـنـة. أمـّا كلمـة القَسـَمِ التـي بعـد النـامـوس فـتـُقيـمُ الابنَ مُكمّلا الى الأبد. ورأس الكـلام هـو أن لنا رئـيـسَ كهنة مثل هذا قد جلس عن يمين عرشِ الجلال في السماوات وهو خادم الأقـداس والمسكن الحـقـيـقـيّ الذي نـصـبـَه الـربُّ لا إنسـانٌ.

الإنجيل: لوقا ١٠: ٢٥-٣٧

في ذلك الزمان دنا إلى يسوع ناموسيٌّ وقال مجرّبًا له: يا معلّم ماذا أَعمل لأرث الحياة الأبديّة؟ فقال له: ماذا كُتب في الناموس، كيف تَقرأ؟ فأجاب وقال: أَحبب الربَّ إلهك من كلّ قلبك ومن كلّ نفسك ومن كلّ قدرتك ومن كلّ ذهنك، وقريبَك كنفسك. فقال له: بالصواب أَجبتَ، إعمل هذا فتحيا. فأراد أن يزكّي نفسه فقال ليسوع: ومَن قريبي؟ فعاد يسوع وقال: كان إنسانٌ منحدرًا من أورشليم إلى أريحا، فوقع بين لصوصٍ فعرَّوه وجرَّحوه وتركوه بين حيّ وميت. فاتّفقَ أنّ كاهنًا كان منحدرًا في ذلك الطريق فأبصره وجاز من أمامه. وكذلك لاويٌّ، وأتى إلى المكان فأبصره وجاز من أمامه. ثمّ إنّ سامريًّا مسافرًا مرّ به، فلمّا رآه تحنّن، فدنا إليه وضمّد جراحاته وصبّ عليها زيتًا وخمرًا، وحمله على دابَّته وأتى به إلى فندقٍ واعتنى بأمره. وفي الغد فيما هو خارجٌ أَخرجَ دينارين وأَعطاهما لصاحب الفندق وقال له: اعتنِ بأمره، ومهما تُنفق فوق هذا فأنا أَدفعه لك عند عودتي. فأيُّ هؤلاء الثلاثة تحسب صار قريبًا للذي وقع بين اللصوص؟ قال: الذي صنع إليه الرحمة. فقال له يسوع: امضِ فاصنعْ أنت أيضًا كذلك.

 

Raiati Archives

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

كلمة الراعي

أن تحبّ فعلًا لا قولًا