...

كلمة الراعي جالسون عن يمين الله

كان يسوع وتلاميذه عائدين من الجليل إلى المدينة العظيمة أورشليم. وفيما كان قلب السيّد متّجهًا إلى الآب، إلى الموت الذي سيؤدّي إلى النصر. فيما كان الربّ يتأهّب للدخول في المعركة الكبرى انتصب اثنان من الاثني عشر يسألانه عن شيء دنيويّ حسبه الربّ تافهًا في هذا الظرف. سألاه أن يجعلهما وزيرين في ملك ظنّاه دنيويًّا لأنّ الجميع كانوا ينتظرون أن يُعلن يسوع الناصريّ نفسَه مَلِكًا على اليهود.

قاطعهما الربّ بقوله: الكأس التي أشربها أنا أتشربانها؟ كأس الموت أتشتركان فيها؟ والصبغة التي اصطبغ بها، صبغة الدم، أتصطبغان بها؟ وقالا له: نستطيع. ومع ذلك أجاب الربّ: ولو أنّكما تقدران على أن تموتا من أجلي إلاّ أنّي لا أقدر على أن أجعلكما سيّدَين في الملكوت، هذا مرتبط بالآب. أراد أن يموّه نظرهما عن الدنيا، عن ملكوت إسرائيل، إلى ملكوت آخر يعمّ الأرض ويكون في قلوب الناس. ولكنّه كان عارفًا أنّ أحدًا من تلاميذه لن يستطيع أن يفهم شيئًا وأن يذوق شيئًا ما لم يشترك في رؤية هذا الفداء الذي كان الربّ مزمعًا على أن يتمّمه في أورشليم.

ولذا نقل أتباعه إلى فكر آخر بقوله: «إنّ رؤساء الأمم يسودونهم وعظماءهم يتسلّطون عليهم»، وفي إنجيل مرقس الذي يُقرأ اليوم نقرأ: «الذين يُحسبون رؤساء الأمم» أي أنّ كلّ البشر في تفاهة لأنّهم يحسبون أنّ لهم رؤساء يعظّمونهم. الرئيس جُعل مسؤولاً وهو لا شيء، وإذا ظنّ نفسه شيئًا وظننتموه أنتم شيئًا فكلّكم تخطئون. القضيّة ليست أن نكون ذوي وجاهة في الأرض ولكن أن نكون وجهاء بعد الموت. ولهذا أنتم ورؤساؤكم ستذهبون إلى مملكة جديدة التي سأدشّنها بموتي. وسيعلم الناس أنّ «من أراد أن يكون بينكم أوّلاً فليكن للكلّ عبدًا». أنا جئت لأحرّركم من العبوديّة، من تلك العبوديّة التي كانت متحكّمة فيكم، فأنتم تتزلّفون دائمًا وتتجاملون وجعلتم أنفسكم عبيدًا للناس. غير أنّي سوف أعتقكم من العبوديّة وأجعلكم أحرارًا بحيث لا يبقى فوق رؤوسكم أحد.

المسيحيّ ليس ذليلاً ولا متسكّعًا لأنّ رأسه ينطح السحاب ويصل إلى عرش الله، إلى رأس الله، فبولس يعلّمنا: «أنتم جالسون مع المسيح عن يمين الله». ولكن من أراد أن يجالس الله وأن يكون ندًّا لله بالنعمة المعطاة من عنده، فهذا يجب أن يكون في ملكوت الحبّ، عليه أن يجعل نفسه عبدًا للناس، أن يتطوّع للناس. أنت لست بذليل لأنّ رأسك ينطح عرش الله، ولكنّك تتذلّل. العظيم من ذلّل نفسه في الخدمة، مَن تواضع أمام كلّ مخلوق، أمام أدنى مخلوق، أدنى مخلوق وأرفع مخلوق متساويان، لأنّ المسيح قد أتى من أجلهم كلّهم. ولذلك ليس عندنا رفيع، لا كبير ولا صغير. المسيح وحده يكبّر الناس والخدمة تعظّم الناس.

بهذه الأفكار أراد ربّنا أن يهيّئنا لنصعد معه إلى أورشليم، لنصعد معه إلى المحبّة، ولنصعد معه إلى الحرّيّة وإلى الصدق. ملكوت المسيحيّ ملكوت صدق والناس بالصدق وبالطهارة يخلصون.

جاورجيوس مطران جبيل والبترون وما يليهما (جبل لبنان)

 

الرسالة: عبرانيّين ٩: ١١-١٤

يا إخوة، إنّ المسيح إذ قد جاء رئيس كهنة للخيرات المستقبليّة فبمَسكن أعظم وأكمل غير مصنوع بأيدٍ ليس من هذه الخليقة، وليس بدم تيوس وعجول بل بدم نفسه دخل الأقداس مرّة واحدة فوجد فداء أبديًّا، لأنّه إن كان دمُ ثيران وتيوس ورماد عِجلةٍ يُرشُّ على المنَجّسين فيُقدّسهم لتطهير الجسد، فكم بالأحرى دمُ المسيح الذي بالروح الأزليّ قرَّب نفسَه لله بلا عيبٍ يُطهّرُ ضمائركم من الأعمال الميتة لتعبدوا الله الحيّ.

 

الإنجيل: مرقس ١٠: ٣٢-٤٥

في ذلك الزمان أخذ يسوع تلاميذه الاثني عشر وابتدأ يقول لهم ما سيعرض له: هوذا نحن صاعدون إلى أورشليم، وابنُ البشر سيُسلَم إلى رؤساء الكهنة والكتبة، فيحكمون عليه بالموت ويُسلمونه إلى الأُمم فيهزأون به ويبصقون عليه ويجلدونه ويقتلونه، وفي اليوم الثالث يقوم. فدنا إليه يعقوب ويوحنّا ابنا زبدى قائلَين: يا معلّم، نريد أن تصنع لنا مهما طلبنا. فقال لهما: ماذا تريدان أن أصنع لكما؟ قالا له: أَعطنا أن يجلس أحدنا عن يمينك والآخر عن يسارك في مجدك. فقال لهما يسوع: إنّكما لا تعلمان ما تطلبان. أتستطيعان أن تشربا الكأس التي أشربها أنا، وأن تصطبغا بالصبغة التي أصطبغ بها أنا؟ فقالا له: نستطيع. فقال لهما يسوع: أمّا الكأس التي أشربها فتشربانها وبالصبغة التي أصطبغ بها فتصطبغان، وأمّا جلوسُكما عن يميني وعن يساري فليس لي أن أُعطيَه إلاّ للذين أُعدَّ لهم. فلمّا سمع العشرة ابتدأوا يغضبون على يعقوب ويوحنّا. فدعاهم يسوع وقال لهم: قد علِمتُم أنّ الذين يُحسَبون رؤساء الأمم يسودونهم، وأنّ عظماءهم يتسلّطون عليهم. وأمّا أنتم فلا يكون فيكم هكذا. ولكن من أراد أن يكون فيكم كبيرًا فليكن لكم خادمًا، ومن أراد أن يكون فيكم أوّلاً فليكن للجميع عبدًا. فإنّ ابن البشر لم يأت ليُخدَم بل ليَخدم وليبذُل نفسه فِداءً عن كثيرين.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

كلمة الراعي

جالسون عن يمين الله