...

كنْ ابنًا الآن!

كلّ حياتنا في المسيح أن نتوب. قلت، مرارًا، إنّ الحياة الكنسيّة لا تُختصَر. لكن، إن شئت أن أعلّي فيها شيئًا أراه يعبّر عنها تعبيرًا دقيقًا، لَسارعتُ إلى القول إنّ كلّ ما في الكنيسة هدفه أن نحيا في توبة مستمرّة. الحياة أن نغدو أفضل على هذا المستوى الذي الله يرغب لنا فيه. هذا في غير تفصيل.

هذا، في تراثنا، لا يعني أنّ الإنسان يجاهد وحده. القاعدة عندنا أنّنا نجاهد بالنعمة، أي باحتضان الله الذي يريدنا أن نغلب الخطيئة فينا أوّلاً. الله معنا، هذا منطلق جهادنا وغايته. أيّ شيء آخر، تطلبه المسيحيّة منّا، يبدأ من هنا. هذا، طبعًا، يعني أنّ النقاء مرتبط بالالتزام. إن كانت حياة الكنيسة لا تعنينا، فهذا يعني أنّ حياة النقاء لا تعنينا. لا أحد يتنقّى إن لم يأتِ بحركة. النقاء هدفًا يطلب جهادًا موصولاً، أي يستدعي هذا المسعى اليوميّ الذي هدفه أن نشبه الله الذي أوجدنا على صورته، لنكون مثله!

ما قلته إلى الآن، يفترض مرافقة. كنت، أمسِ، أشكو وضعًا أقلقني نحو شهر، قال لي أخ أثق بمحبّته لله ولي أيضًا: «هل سمحت لأحد بأن يشاركك في هذا القلق؟». كلامه مفهوم. لم أقل إنّني شكوت نفسي أمامه. لم يكن عندي أيّ مانع أن أفعل. لكنّني لم أفعل. قلت شكوت قلقًا. فاستدعى قولي أن يسألني إن كنتُ قد اتّكأت على أحد الأقوياء في جماعتي، أي، مثلاً، إن كنتُ قد كشفت نفسي أمام أبي الروحيّ.

هذا الأب خير رفيق. أجل، المسيحيّة مرافقة. إذا قرأنا كتب العهد الجديد، لما فاتنا أنّ الحياة في الكنيسة الأولى قامت على احتضان الإخوة بعضهم بعضًا. هذا امتداد الأسرار المقدّسة وعيش الكلمة في الحياة. هذا مضمون الحياة الكنسيّة جوهريًّا. أينما اجتمع المسيحيّون، يكونون عائلة. لم تكن المسيحيّة الأولى، لحظةً، جماعةً تجتمع (في القدّاس الإلهيّ)، لتفترق (أي لتنفصل بعده إلى الأحد المقبل). هذا أتت به قساوة اللحم والدم التي أوهمت أنّ الحياة في المسيح ممكنة عموديًّا فقط (أي أن يرتبط كلّ واحد بالله من دون أن يرتبط بإخوته)، أو ممكنة عموديًّا تقريبًا فقط. ثمّ عزَّزَ تسلّطُ المدنيّةِ هذه القساوة. ولكنّنا، في الأصل، لم نعرف أنفسنا إلاّ رفقةً في الصلاة وفي الحياة. هذا أعمق ما يظهر غلبة المسيح في الأرض.

إذًا، مرافقة. هذه، في علاقتنا بالأب الروحيّ، لا تُحصر بالكلام على خطايانا. الأب الروحيّ، إذا أردنا أن نتمثّل خبرة كنيستنا، هو إيقونة المرافقة. أجل، لكلّ ما في المسيحيّة إيقونته الذهبيّة. مثلاً، توزيع الخبز في الإفخارستيا هو إيقونة إطعام الجياع في الأرض. توزيع الكلمة في خدمنا هو إيقونة كلّ تعليم نسعى إليه أفرادًا أو جماعات. الكنيسة هي إيقونة الحياة العائليّة. الأبوّة الروحيّة إيقونة علاقة الجماعة بعضها ببعض. هذه الإيقونة، أي علاقتنا بأبينا الروحيّ، هدفها أن نكون أفضل، وتاليًا أن نتعلّم أن يكون العالم أفضل. العالم، أي عالمنا، عالم كنيستنا أوّلاً. علاقتنا بأعضاء الجماعة، بل بكلّ عضو فيها، لتكون قويمة، يجب أن تخضع لمعيار أن نستند إلى الحقّ بعضنا مع بعض، أي أن نكون جميعُنا أفضل.

هذا كلّه يفترض من كلّ مسيحيّ، يطلب الحقّ، أن يختار أبًا روحيًّا يركن إلى مرافقته. هذا شيء رائع فعلاً. شيء رائع أن تعرف، في عالمٍ يزداد فرديّةً، أنّ عندك شخصًا يمكنك أن تقصده متى شئت، وترتاح إلى كلمات الحقّ التي تعبق به. شيء رائع، في عالم يزداد انفصالاً عن السماء، أن تعرف أنّ عندك شفيعًا أمام الله، أي شخصًا يصلّي لك، يقدّمك ذبيحة تسبيح أمام عرش الله. ثمّ رائع أيضًا، في عالم يكثر فيه غير المكترثين بمصير سواهم، أن تكون هذه العلاقة الحيّة إيقونة علاقتك بإخوتك في الرعيّة.

أعتقد أنّ أهمّ سؤال، ينبغي لكلّ منّا أن يطرحه على نفسه، هو: كيف لي أن أكون أفضل؟ المكتفون بأنفسهم، يُتَفِّهون حياتَهم. الله يريدنا أفضل. لقد أهدانا هذه الكنيسة الرائعة التي، إن انفصلنا عنها أو انقطعنا عن رفقة الكبار فيها، بل الكبار ومَن نحسبهم صغارًا أيضًا، نفتح قبورنا بأنفسنا. ما من حياة بعيدًا من حياة الكنيسة. هذه هي هديّة السماء أن أكون عضوًا في عائلة الله الحيّ، أي أن أسعى، بكلّ ما أوتيت من نعمة، إلى أن أحارب فرديّتي وانفصالي عن دعم السماء وكلّ ما يشجّعني على أن أرتاح إلى خيار الابتعاد عن الإخوة، وأرتضي محبّة الله باندماجي في حياة كنيسة ليس مثلها شيء.

اقبلْ رفقةَ كنيستِكَ، تقتحمْ سماء الله التي هي وطن القريبين. كن ابنًا الآن!

كنْ ابنًا الآن!