...

كلمة الراعي المديح

فيما نحن نجاهد الجهاد الحَسن في الصوم ناظرين دائمًا إلى القيامة الآتية فصحًا مجيدًا وخلاصًا لنا، يمكن أن يغرينا الشيطان بإغراء الكبرياء. يعلّمنا الآباء أنّه إذا عفّ الإنسان عن الأشياء المحرّمة وحفظ نفسه من شهوات الجسد خلال الصوم، يواجهه إغراء الكبرياء لأنّه يميل إلى أن يحسب نفسه صاحب قدرة روحيّة ويفتخر بنفسه. هذه تجربة كلّنا معرّضون لها.

أمام هذه التجربة عندنا صورة العذراء التي لمّا جاءها الملاك مدحها وقال لها: «السلام عليك أيّتها الممتلئة نعمة، الربّ معك، مباركة أنت في النساء»، وهي تعني أنّك مختارة بين كلّ نساء العالم- وبشرّها بأنّها ستلد ابنًا ويُدعى اسمه يسوع لأنّه يخلّص شعبه من خطاياهم، قالت: «ها أنا أمة للربّ، فليكن لي حسب قولك». الإنسان الذي يتلقّى مديحًا يفتخر أمام المديح، يتعاظم أو ينتفخ.

لم تقف العذراء عند مديح السماء لها، ومديح السماء كلّه حقيقة، فكيف نقف نحن عند مديح البشر لنا ومعظمه كذب. وفي كلّ حال لا يجوز لنا أن نفتخر لأنّ من افتخر فليفتخر بالربّ، أي بما وهبه الربّ من نِعَم لأنّ كلّ ما عندنا إنّما هو عطاء الآب الذي انعطف علينا بالمسيح.

تذكّروا شيئًا آخر: لمّا ذهبت العذراء إلى أليصابات واستقبلتها أيضًا بالمديح الصحيح، قالت لها البتول: «تعظّم نفسي الربّ…»، وما أحّست أنّها هي تتعظّم لمّا قالت لها نسيبتها «مبارك هو ثمر بطنك». أحسّت أنّ التسبيح يعود إلى الله فقط ولهذا قالت: «تعظّم نفسي الربّ فإنّه نظر إلى تواضع أمته». نظر إلى أنّي متواضعة، إلى أنّي لا شيء، ولذلك، لكوني متواضعة، منذ الآن تطوّبني جميع الأجيال.

ولاحظوا أنّ الكنيسة عندما تمدح العذراء بأبيات المديح، فتروا أنّها ليست في الواقع مديحًا للسيّدة بحدّ نفسها، ولكن لكونها حملت الابن الإلهيّ. الافتخار فقط بالتجسّد الإلهيّ، بانتقال المؤمنين من كونهم كانوا قبل المسيح لا شيء إلى كونهم صاروا مخَلّصين بالمسيح.

ثمّ بعد ذلك في حياة والدة الإله لمّا وقف السيّد مرّة وتكلّم جيّدًا، مدحَت امرأة أمّه حسب عادة الشرقيّين: «طوبى للبطن الذي حملك»، فقال السيّد لهذه المرأة: «بل طوبى للذين يسمعون كلمة الله ويحفظونها».

يقول الكتاب الإلهيّ عن والدة الإله إنّها كانت تحفظ كلّ هذه الأقوال وتردّدها في نفسها. كانت تكبر لأنّها كانت تحفظ الكلمة. فالإنسان كبير بالله وليس كبيرًا بأصله أو بأهله أو بماله أو بنفوذه. الإنسان ليس كبيرًا بجسده ولا بجماله ولا بعلمه. ولهذا أمام كلّ مديح نسمعه موقفنا أن نوقف البشر الذين يمدحوننا.

هناك مرض روحيّ أو شهوة نسمّيها العُجَب أو الافتخار. هذه خطيئة والجواب عنها قول بولس الرسول في الرسالة إلى أهل فيليبّي (٢: ٥-١١) التي نقرأها دائمًا في أعياد والدة الإله: «ليكن فيكم الفكر الذي في المسيح يسوع، الذي إذ كان في صورة الله لم يحسب خلسة أن يكون معادلًا لله، لكنّه أخلى ذاته آخذًا صورة عبد صائرًا في شبه الناس… لذلك رفعه الله وأعطاه اسمًا فوق كلّ اسم لكي تجثو باسم يسوع كلّ ركبة ممّن في السماء وعلى الأرض وما تحت الأرض، ويعترف كلّ لسان بأنّ يسوع المسيح هو ربّ لمجد الله الآب».

جاورجيوس مطران جبيل والبترون وما يليهما (جبل لبنان)

الرسالة: عبرانيّين ٦: ١٣-٢٠

يا إخوة، إنّ الله لمّا وعد إبراهيم، إذ لم يمكن أن يُقسم بما هو أعظم منه، أَقسم بنفسه قائلاً: لأُباركنّك بركة وأُكثّرنك تكثيرًا. وذاك إذ تأنّى نال الموعد. وإنّما الناس يُقسِمون بما هو أعظم منهم، وتنقضي كلّ مشاجرة بينهم بالقَسَم للتثبيت. فلذلك لـمّا شاء الله أن يزيد وَرَثة الموعد بيانًا، لعدم تحوّل عزمه، توسّط بالقَسَم، حتّى نحصل بأمرين لا يتحوّلان ولا يمكن أن يُخلف الله فيهما، على تعزية قويّة نحن الذين التجأنا إلى التمسّك بالرجاء الموضوع أمامنا، الذي هو لنا كمرساة للنفس أمينة راسخة تدخل إلى داخل الحجاب حيث دخل يسوع كسابقٍ لنا، وقد صار على رتبة ملكيصادق رئيسَ كهنةٍ إلى الأبد.

الإنجيل: مرقس ٩: ١٧-٣١

في ذلك الزمان دنا إلى يسوع إنسان وسجد له قائلاً: يا معلّم، قد أتيتُك بابني به روحٌ أبكم، وحيثما أخذه يصرعه فيُزبد ويصرف بأسنانه وييبس. وقد سألتُ تلاميذك أن يُخرجوه فلم يقدروا. فأجابه قائلاً: أيّها الجيل غيرُ المؤمن، إلى متى أكون عندكم؟ حتّى متى أَحتملكم؟ هلمّ به إليّ. فأَتوه به. فلمّا رآه للوقت صرعه الروح فسقط على الأرض يتمرّغ ويُزبد. فسأل أباه: منذ كم من الزمان أصابه هذا؟ فقال: منذ صباه، وكثيرًا ما ألقاه في النار وفي المياه ليُهلكه. ولكن إن استطعتَ شيئا فتحنّنْ علينا وأَغثنا. فقال له يسوع: إن استطعتَ أن تؤمن فكلّ شيء مستطاع للمؤمن. فصاح أبو الصبيّ من ساعته بدموع وقال: إنّي أؤمن يا سيّد، فأَغثْ عدم إيماني. فلمّا رأى يسوع أنّ الجمع يتبادرون إليه، انتهر الروح النجس قائلاً له: أيّها الروح الأبكم الأصمّ أنا آمُرك بأنِ اخرج منه ولا تعُدْ تدخل فيه. فصرخ وخبطه كثيرًا وخرج منه، فصار كالميت حتّى قال كثيرون إنّه قد مات. فأخذ يسوع بيده وأنهضه فقام. ولمّا دخل بيتًا سأله تلاميذه على انفراد: لماذا لم نستطع نحن أن نُخرجه؟ فقال لهم: إنّ هذا الجنس لا يمكن أن يخرج إلاّ بالصلاة والصوم. ولمّا خرجوا من هناك اجتازوا في الجليل ولم يُرِدْ أن يدري أحد، فإنّه كان يُعلّم تلاميذه ويقول لهم: إنّ ابن البشر يُسلَم إلى أيدي الناس فيقتلونه، وبعد أن يُقتل يقوم في اليوم الثالث.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

كلمة الراعي

المديح