...

الكنيسة الأرثوذكسيّة “كنيسة نسكيّة”

 

 

 

يقول الرّسول بولس: “إنّ هيئة هذا العالم تزول” (1كورنثوس 7: 31).
 

لذلك يدعونا جميعاً، وليس فقط الرهبان، إلى أن نكون بلا همّ وأن لا نتعلّق بهذا الدهر الحاضر الخدّاع.
 

هذا كلّه لا يدعونا نحن المسيحيّين إلى أن نتهرّب من واجباتنِا في هذا العالم. الإنجيل كلّه له طابعٌ نسكيّ.
 

“لا تهتّموا بما تأكلون وبما تشربون”…
 

لا يستطيع الإنسان أن يعبد ربّين الله والمال. لا تكنزوا لكم كنوزاً على الأرض”. (راجع متى 6). هذا ما أكّده بولس بقوله: “ليس لنا هنا مدينة باقية وإنّما نسعى إلى الآتية” (عب 13: 14)، وأيضًا “إنّنا لم ندخل العالم بشيء وواضح أنّنا لا نقدر أن نخرج منه بشيء” (1 تيموثاوس 6: 7).
 

*       *      *

هذا التقليد نجده عند الآباء القدّيسين. يكتب مثلاً القدّيس إغناطيوس الأنطاكيّ: “ماذا تفيدني ملذّات العالم؟ إنّي أفضّل أن أموت مع المسيح من أن أملك أطراف المسكونة… فالعالم فانٍ وهذه الحقيقة يعرفها من أدرَك أنّ يسوع هو كلّ شيء…” (رسالته إلى كنيسة رومية).
 

نقرأ في الرسالة إلى ديوغنيتس Diogéne القرن الثاني: “لا يتميّز المسيحيّون عن سائر الناس لا بالبلد ولا باللغة ولا باللباس… يتوزّعون في المدن المتنوعّة ويتكيّفون بالعادات المحلّيّة.. يقيمون كلٌّ في وطنه ولكن كغرباء مستوطنين ويؤدّون واجباتهم كاملة كمواطنين… فكلّ أرض غريبة هي بمثابة وطن لهم وكلّ  وطن هو بمثابة أرض غريبة”.

 

هذا لم يكن جديداً على الرسل الذين عاشوا “كمجهولين ونحن معروفون… كحزانى ونحن دائماً فرحون، كفقراء ونحن نغني كثيرين، كأن لا شيء لنا ونحن نملك كلّ شيء”. (2 كورنثوس 6: 10) (أعمال 2: 42و  44).

 

*    *    *

 

هذه هي خبرة الكنيسة منذ أيام الرّسل، الخبرة المبنيّة على الصّلاة والصّوم والتقشّف وحياة التّوبة والشركة.
 

يذكر سفر أعمال الرّسل أنّ التلاميذ المسيحيّين كانوا يواظبون كلّ يوم على الصّلاة وتعاليم الرّسل وكسر الخبز وكان كلّ شيء فيما بينهم مشتركاً. الصلاة القلبيّة تعطي الإنسان المؤمن قوّة الله المنتصرة على الأرواح الشرّيرة والموت.

 

الصّوم يساهم في ضبط الأهواء والشهوات الجسديّة، ويساعد المؤمن أن يمتنع عن كلّ ما لا يخصّ الله. ولا ننسى ما قاله الربّ يسوع: “هذا الجنس (الشرّير) لا يخرج إلاّ بالصّلاة والصّوم”.

 

أمّا حياة الشركة فهي تدرّب الإنسان على تجسيد المحبّة الغالبة على الفرديّة والأنانيّة.

 

وأخيراً، وليس آخراً، علينا، نحن المسيحيّين، أن نتواضع ونلتزم مؤاساة الفقراء والمحتاجين على غرار المسيح الذي افتقر من أجلنا و”أخلى ذاته آخذاً صورة عبد صائراً في شبه البشر، ووضع نفسه وأطاع حتّى الموت موت الصّليب” (فيلبي 2: 7-8).

 

أفرام، مطران طرابلس والكورة وتوابعهما

عن “الكرمة”، العدد 42، الأحد 16 تشرين الأوّل 2016

 

 

 

 

 

الكنيسة الأرثوذكسيّة “كنيسة نسكيّة”