...

من تعليمنا الأرثوذكسيّ: والدة الإله

التلميذ: كنّا في صفّ التعليم المسيحيّ نتكلّم على الاستعداد للميلاد، لمّا ذكر أحد الرفاق مريم العذراء مسمّيًا إيّاها والدة المسيح، فقاطعه المعلّم فورًا قائلاً: لا يجوز تسمية مريم العذراء والدة المسيح بدلاً من والدة الإله. لم أفهم لماذا لا يجوز ذلك.

المرشد: طبعًا لا يجوز لأنّ من يسمّي العذراء مريم والدة المسيح نكر عليه الألوهة ولم يعترف بأنّه ابن الله. التعبير والدة الإله باليونانيّة ثيوطوكوس قديم جدًّا في الكنيسة نجده في كتابات العديد من الآباء: أثناسيوس الإسكندريّ، كيرلس الأورشليميّ، إبيفانيوس القبرصيّ وغيرهم. كان الأمبراطور يوليانوس الجاحد (٣٣١-٣٦٣) في القرن الرابع يعيّر المسيحيّين بأنّهم يسمّون مريم والدة الإله. وكان القدّيس غريغوريوس اللاهوتيّ (٣٢٩-٣٩٠) يلخّص تقليدًا طويلاً بقوله: «إن اعتقد أحد بأنّ القدّيسة مريم ليست والدة الإله فقد خرج عن الألوهة».

التلميذ: ومنذ ذلك الوقت اقتنع الكلّ بتسمية «والدة الإله»؟

المرشد: لا، حصلت خلافات شديدة. اسمع: السنة ٤٢٨ في القسطنطينيّة ابتدأ البطريرك نسطوريوس يعلّم ضدّ التعبير «والدة الإله» ما أدّى إلى خلاف لاهوتيّ هزّ الكنيسة، فدُعي إلى عقد المجمع المسكونيّ الثالث في أفسس السنة ٤٣١. المسألة ليست مسألة تعبير وحسب، فمن ينكر أنّ مريم والدة الإله ينكر تجسّد ابن الله. يسوع المسيح إله وإنسان معًا وهو ابن مريم «جاء بالجسد من نسل داود وفي الروح القدس ثبت أنّه ابن الله في القدرة بقيامته من بين الأموات» (رومية ١: ٣-٤). وفي مطلع إنجيل يوحنّا نقرأ أنّ الكلمة صار جسدًا، وعن يسوع المسيح يقول الرسول بولس: «هو إذ كان في صورة الله، لم يحسب خلسة أن يكون معادلاً لله لكنّه أخلى ذاته آخذًا صورة عبد صائرًا في شبه الناس ووُجد في الهيئة كإنسان» (فيليبّي ٢: ٥-٦) وما أكثر نصوص العهد الجديد التي تثبت أنّه ابن الله الوحيد هو نفسه «يشابه إخوته في كلّ شيء» (عبرانيّين ٢: ١٧).

التلميذ: إذًا الطفل الذي يولد من مريم هو إله تامّ وإنسان تامّ.

المرشد: نعم. الجنين الذي في بطن العذراء إله تامّ وإنسان تامّ. هو هو في المذود وعلى الصليب وفي القيامة. لم يوجد مرّة شخص اسمه يسوع أضيفت عليه الألوهة. الناسوت واللاهوت متّحدان منذ أن حُبل بيسوع. هذا إيماننا «بربّ واحد يسوع المسيح ابن الله الوحيد المولود من الآب قبل الدهور – أي أنّه لم يكن هناك زمن لم يكن فيه غير موجود -… الذي من أجلنا نحن البشر ومن أجل خلاصنا نزل من السماء وتجسّد من الروح ومن مريم العذراء، وتأنّس..» كما نقول في دستور الإيمان.

التلميذ: ماذا حصل بالخلاف اللاهوتيّ وماذا قرّر مجمع أفسس؟

المرشد: حكم المجمع الثالث على نسطوريوس بسبب تعليمه ضدّ ألوهة المسيح، ولم يصدر المجمع تعليمًا لاهوتيًّا بشكل رسميّ، واكتفى بتأكيد إيمان نيقية أي دستور الإيمان الذي نتلوه. لكنّ آباء المجمع وضّحوا الإيمان: لم تتغيّر طبيعة المسيح الإلهيّة بالتجسّد، اتّخذ طبيعة بشريّة وتلاقت الطبيعتان المختلفتان في مسيح واحد. الكلمة وُلد من مريم. لا يقول الكتاب المقدّس إنّ كلمة الله اتّخذ شخص إنسان لكنّه يقول اتّخذ جسدًا، لذلك سمّى كلّ آبائنا مريم «والدة الإله» ولا نزال على هذا الإيمان.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

من تعليمنا الأرثوذكسيّ: والدة الإله