...

من تعليمنا الأرثوذكسيّ: في الزهد

التلميذ: ابتدأت كما أوصيّتنا بقراءة كتاب التعاليم الروحيّة للقدّيس ذوروثاوس الذي من غزة، إضافة إلى الكتاب المقدّس، يتناول في المقالة الأولى موضوع الزهد، بأسلوب جميل، بسيط وغنيّ مستشهدًا بالكتاب المقدّس وخبرة الآباء القدّيسين.

المرشد: كتاب قدّيسنا مرجع للتعاليم الروحيّة، سنحاول أن نطلّ في هذا الصوم المبارك على معظم المقالات التي يتناولها، لاحظت طبعًا أنّه تناول موضوع الزهد في مقاله، من قصّة الخلق، وأنّ الله تجسّد لأجلنا، مرورًا ببعض الأمثلة للقدّيسين والحياة الرهبانيّة، مركّزًا على فضيلة التواضع.

هل تمكّنت من أن تفهم معنى الزهد الحقيقيّ من المقالة؟ حاول أن تختصره لي في جملة واحدة.

التلميذ: الزهد هو انقطاع عن شيء للدخول في وصالٍ مع الله؟

المرشد: جيّد، لنحاول أن نوضّح الأمور أكثر بحسب كتاب التعاليم الروحيّة، الزهد هو أن نعتبر كلّ ما هو على الأرض رمزًا لحضور الله في ما بيننا، مثلًا عندما ترى وجه ربّك في كلّ الخليقة، وتلتمس حضوره في أمور حياتك اليوميّة، أن تطلب كلّ ما هو مختصّ بالله متعلقًا برحمته، ومتوكّلًا بالكلّيّة عليه.

التلميذ:هل يوجد ارتباط بين الزهد والفقر والتواضع، لأنّهم ذكروا مرارًا في المقال؟

المرشد: مذكور في الكتاب المقدّس أنّه «طوبى للمساكين في الروح لأنّ لهم ملكوت السماوات»، أي نحن نفتقر في هذه الحياة لكي ننال الغنى الحقيقيّ من الله وحده، أن نفتقر من كلّ شيء يبعدنا عن الوصال الجميل والمثمر مع الله، وممّا لا شكّ فيه أنّ الفضائل ترتبط ببعضها البعض لكي يسكن الله في الإنسان. أهمّ ارتباط بين الفضائل هو وصولنا لكي نفرح بكلّ شيء أمام أعيّننا وبين أيدينا لأنّ الله يظهر بجماله فيها.

الصوم والإنسان الآخر

للمطران جورج (خضر)

… وكانت كلمة الربّ إلى زكريّا قائلًا هكذا تكلّم ربّ الجنود قائلًا احكموا حكم الحقّ واصنعوا الرأفة والمراحم كلّ إنسان إلى أخيه. لا تظلموا الأرملة واليتيم والغريب والبائس ولا تفكّروا شرًّا الواحد على أخيه (زكريّا، من الإصحاح السابع).

يذكّرنا زكريّا بأنّ الصوم هو لله، اتّجاه إليه وبالنتيجة اتّجاه إلى الرأفة والمراحم، فلا نظلم الأرملة واليتيم والغريب والبائس ولا نفكّر بالشرّ الواحد على أخيه. هذا النوع من الصوم ينحدر من أنّنا صرنا في عهد جديد مع الله، من أنّ الله صار في داخل كلّ نفس. وهذه الفضائل ناتجة من الروح القدس الذي يملأ الصوم…

نجد الفكرة ذاتها، أنّ الصوم طريقة رأفة، في أشعياء حينما يقول الله للناس: «… أليس هذا هو الصوم الذي آثرته: حلّ قيود النفاق وفكّ ربط النير وإطلاق المضغوطين أحرارًا وكسر كلّ نير؟ أليس هو أن تكسر للجائع خبزك وأن تدخل البائسين المطرودين بيتك وإذا رأيت العريان أن تكسوه وأن لا تتوارى عن لحمك؟» (أشعياء ٥٨: ٢-٧).

… تلاحظون إذًا، من كلام أشعياء، ان الصوم موجود حتّى يتواضع الإنسان أمام الله ويجد نفسه ذليلاً أمام الله فقط وعندئذ يكتشف الآخر في طريقه عندما يصغر في عيني نفسه. هذا ما اكتشفته الكنيسة الأولى أيضًا إذ نجد رسالة أرسلها مسيحيّ إلى الأمبراطور الرومانيّ في القرن الثاني للميلاد، قال دفاعًا عن المسيحيّين: «إنّهم يصومون مع أنّهم فقراء لأنّهم يريدون أن يساعدوا بعضهم بعضًا». هذا يعني أنّهم يمتنعون عن الطعام ويوفّرون ثمنه لكي يعطوا المبالغ لفقرائهم. اكتشفت الكنيسة الأولى أنّ إحدى غايات الصوم الأساسيّة هي أن يعطي الإنسان أخاه الإنسان. ولكن، أبعد من هذا العطاء المادّيّ، هناك الإخوّة البشريّة في المسيح…

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

من تعليمنا الأرثوذكسيّ: في الزهد