...

لنغلبنّ الخطيئة بسلاح البرّ

لنغلبنّ الخطيئة بسلاح البرّ

لنغلبنّ الخطيئة بسلاح البرّ

 

 

 ماذا يعني إنجيل اليوم؟ مجنونان يشفيهما السيد. كان الأقدمون يظنّون ان كل مجنون فيه روح شرّ وأن ابليس هو الذي يصنع الشر. اما الشفاء فهو أمر أساسيّ جاء السيّد ليتمّمه. المرض شر من الشرور لأنه تقهقر وتخلّف اذ إن الأصل ان يكون الانسان صحيحا معافى، وفي ملكوت الله سوف يكون كل انسان سليم القلب. الكمال، السلامة، الجمال، الخير الكامل، كل هذه جاء يسوع ليصنعها.

 عندما يتكلّم المسيح عن ملكوت الله فهو يقصد ان يوما سيأتي حيث يكون الله ملكًا على الناس، فلا يستعبد الناسُ الناس، لن يكون هناك قوي يستبدّ او غنيّ ذو عنفوان، لن يكون فرق بين غنيّ وفقير، لن يكون سيد وعبد. سوف يأتي يوم وقد ابتدأ منذ أطلّ المخلّص على الانسانية، هذا اليوم قد دشنّاه عندما رُفع يسوع على الصليب وقام من بين الأموات.

بيسوع المسيح ابتدأ ملكوت الله في ما بيننا لأن الذين أَسلموا أنفسهم للمسيح حقًّا لا يستطيعون ان يكونوا أغنياء يتملّكون ويستبدّون ويظلمون. الذي سلّم نفسه للسيد هو انسان ابتدأ يعفّ عن أشياء كثيرة ويزهد بأشياء كثيرة. الذي ذاق المسيح لا يستطيع ان يذوق شيئا آخر اي انه لا يعطي لشيء آخر القيمة التي يعطيها للسيد.

من هنا نبدأ ونتدرّج معا: البادئون في معرفة يسوع قد يظلمون وقد يحبّون أشياء هذا العالم وتُطربهم أمور كثيرة فيه فيظلّون في سحر هذا العالم. ولكن الذين تذوّقوا المسيح فعلا وتدرّجوا في مدرسة المسيح، هؤلاء لا يستطيعون أن يكونوا في الخطيئة كما كانوا في السابق يظلمون ويستكبرون. ان قلوبهم قد تركت هذه الأشياء او بكلمة اخرى قد صارت هذه الأشياء غير فاتكة فيهم اذ أصبحوا اناسا جددا كأنك ترى النور على وجوههم او كأنك تسمع نغمة المسيح فيما هم يتكلمون أو كأنك ترى السيد أمامك اذا رأيتهم. هؤلاء قد دخلوا ملكوت الله، اي انهم جعلوا المسيح ملكهم.

ماذا يعني ملكوت الله؟ ليس بمكان عال بعيد نطلع اليه طلوعا. لا. الملكوت في داخلنا. نحن لا نذهب إليه لكنه هو يجيء الينا. من هنا ان ملكوت الله تحوّل. اذا حدث فيك شيء من التغيّر وأَبطلتَ عاداتك القديمة وصرت انسانا غير كذوب وغير شتّام وغير ضرّاب، واذا اخذ اللطف من تصرفاتك مأخذه، اذا انفتح قلبك الى النور الذي يأتي من يسوع، فأنت قد ابتدأت بالدخول الى هذه المملكة العظيمة. بيننا أُناس لا يزالون في سيادة الشيطان اي في رئاسة خطاياهم وشهواتهم وأكاذيبهم واحتيالاتهم، وبيننا أُناس جعلوا انفسهم في سيادة المسيح وحبّه ولطفه وكرمه.

قد يكون الانسان الواحد مرة في مملكة الشيطان ومرة في مملكة المسيح، أي ان هاتين المملكتين تتصارعان في ميدان القتال، والنفس البشرية أوّل ميدان يتصارع فيه خير المسيح والشر. ولهذا، عندما اخذ الروح الشرير هذين المجنونين، نراه يذهب الى الخنازير وهي حيوانات كان أكلها ممنوعا في العهد القديم وعُرف عنها في كل الحضارات انها دنيئة. يصوّر لنا الإنجيل هذا المشهد: يسوع يطرد روح الشر، يطرده بعيدا عنه، يطرده من انسان فيدخل في حيوان دنس ثم ينحرف هذا الحيوان الى البحيرة. اي لا بد لروح الشر ان يُقهر. للباطل جولة، جولة فقط، ثم يضمحل.

جاورجيوس، مطران جبيل والبترون وما يليهما (جبل لبنان)

عن “رعيّتي”، العدد 27، الأحد 5 تموز 2015