...

كلمة في عيد ميلاد والدة الإله

كلمة في عيد ميلاد والدة الإله

 

كلمة في عيد ميلاد والدة الإله

 

أيها الإخوة والأخوات إننا اليوم نعيّد محتفلين بميلاد الفائقة القداسة العذراء مريم من أبوين عاقرين، يواكيم وحنة التقيين. قد أقرّت الكنيسة هذا العيد منذ القرون الأولى للإيمان المسيحي. هذا الحدث الذي نعيّد له – ولادة الفتاة المختارة من الله – جلب الفرح لكل العالم لأن الإله–الإنسان يسوع المسيح الذي أشرق منها أبطل اللعنة الجاثمة على الجنس البشري المُتعدي والمنبوذ وأحدر على هذا الجنس البركة الإلهية وداس الموت البشري ووهب الناس الحياة الأبدية. هكذا تستوضح الكنيسة المقدسة سبب هذا الفرح.

حزن والدا العذراء الفائقة البتولية طويلاً بسبب عقرهما وكانا يصلّيان وقتاً طويلاً وبحرقة لله لكي يحلّ عقرهما الذي كان يُعتبر عقاباً من الله على الخطايا، وكانا يصنعان الكثير من أعمال الرحمة والصدقة لكي يستعطفوا الإله الرحيم، وصبرا على تعييرات أقربائهما. وفي هذه الضيقة وفي الصلاة الغير منقطعة وبأعمال الرحمة هكذا تنقيا بالروح والتهبا أكثر وأكثر بالمحبة والأمانة لله وبهذا الشكل صارا متأهّلين بالعناية الإلهية للميلاد المبارك للابنة الفائقة البركات المختارة من بين جميع الأجناس لتكون أمّ الكلمة المتجسد.

إن الله ياتي بمختاريه إلى المجد والغبطة من خلال طريق ضيّق وكرب، حيث أن والدة الإله بالجسد قد تنبّأ لها سمعان الشيخ بأن السيف سيجوز في نفسها وبأنها ستختبر حزناً شديداً في نفسها أثناء حياة ابنها الأليمة، وذلك لتُعلن أفكار من قلوب كثيرة (لو 2: 34-35).
كم هو ضيق وكرب طريق جميع مختاري الله، لأن العالم ورئيس هذا العالم الذي هو عدو الله والبشر يضيّق على أناس الله إلى أقصى حد، والله نفسه يسمح بأن يمرّوا في الطريق الضيّق، لأنه يساعدهم على السعي إلى الله وبأن يلقوا باتكالهم عليه وحده.

لكن لنتوجه بأنظارنا من الحزن إلى الفرح. ما هو الفرح الذي يقدّمه لنا ميلاد والدة الإله؟ لنفسّر بالتفصيل الطروبارية الكنسية التي تشرح أسباب فرح العيد. من خلال ولادة مريم الدائمة البتولية ومن خلال ابنها الوحيد وإلهها تصالحت البشرية المنبوذة والتي تحت اللعنة مع خالقها الذي أخطأت إليه وازدرت به، لأن المسيح صار وسيط المصالحة (رو5: 10-11). البشرية تحرّرت من اللعنة والموت الأبدي واستحقت بركة الآب السماوي واتحدت والتأمت في الطبيعة الإلهية وبسبب هذا الالتئام أُعيدت إليها كرامتها الأولى، بحسب تعبير الترتيلة الكنيسة. استحق الإنسان المرذول سابقاً بنوة الآب السماوي وأخذ وعداً بقيامة مجيدة من بين الأموات وبحياة أبدية في السماوات مع الملائكة.

كل هذا حصل ويحصل بسبب تجسّد ابن الله بواسطة الروح القدس من العذراء الفائقة الطهارة وبشفاعتها كأمّ الله. ما أكبر الإكرام والتعظيم الذي نالته البشرية من خلال العذراء القديسة والدة الإله لأنها هي التي استحقت التجديد والبنوة لله وهي نفسها أيضاً وبسبب تواضعها اللامتناهي وعظم نقاوتها وقداستها استحقت أن تكون أم الإله-الإنسان!

إنها كانت وستبقى دائماً الشفيعة الأقوى والمحامية عن جنس المسيحيين أمام ابنها وإلهها! هي رجاؤنا الذي لا يخيب، وهي التي تصرف عنا غيوم غضب الله العادل، وتفتح لنا أبواب الفردوس العريق بشفاعتها القادرة، وتثبّت عروش الملوك وتحفظها من الاضطراب مدى الدهر.

هي أنقذت ولا زالت تنقذ روسيا آلاف المرّات منذ البدء ولغاية الآن، لقد عظّّمت العذراء روسيا ومجّدتها وثبّتتها ولا زالت، هي كفيلة الخطأة التائبين في الخلاص. يتوجّه إليها المسيحيون بالصلوات والطلبات والمديح والتمجيد والشكر، وبواسطتها تمّت وتتمّ في الكنيسة عجائب لا عدد لها وتأثيرها المفيد في كل أنحاء العالم.

لنحتفل إذاً بعيد ميلاد الفائقة القداسة العذراء مريم مزيّنين أنفسنا بكل الفضائل المسيحية، آمين.

القديس يوحنا كرونشتادت

 

 

كلمة في عيد ميلاد والدة الإله