...

فلسفة الحياة والموت

 

 

لا بدّ من مفكّرين، من طامحين، ليكتشفوا دائماً آفاقاً جديدة. هل الحاجة إلى مفكِّر هي أمسُّ منها إلى فيلسوف؟ ليست الحاجة الى نظرية فلسفية جديدة ولا الى نظام أو مؤسسة عالميَّة بل الى إشراقٍ جديداً للإنسان يتجدّد يوماً بعد يوم.

كان Pascal، المفكّر الفرنسي الكبير، يكتب “تفكّرت بلقاء كتاب فوجدتُ امامي إنساناً”.

هل تستطيع جملةٌ، أو حديث ما أن يغيّر حياةً برّمتها؟!

الإنسان مأخوذ بسرّين في حياته: الأول هو الجمال والثاني هو الموت. جمال الخليقة من جهة، خليقة فيها روح وليست جدباء لا نَفَسَ فيها. هناك طاقة في الإنسان تجعله يتخطّى ذاته، يتخطَّى أنانيَّته. لذلك، هو يحبّ الجمال. ما سوف يخلّص العالم، يقول الكاتب الشهير Dostoievski وكأن شيئاً في ذاته يهمس فينا “أنت لن تموت”،هو لقاؤنا مع المسيح. عندما يكون الإنسان في أفضل حالة صحيّة عندها يخشى الموت، وإن تعطّلت لديه الأمور كلّها في حياته يفتكر بالانتحار. هل يخاف الموت أم هو يشتهيه؟

* * *

هذا هو صراعه بين الموت والحياة. الحبّ هو المفتاح، مفتاح الحياة والموت. الإنسان الذي يجاهد ليتخلّص من الموت عن طريق الملذّات يرتمي في أحضانه فيأسره الموت. هذه هي مأساة الإنسانية.

هل نستطيع مواجهة الموت بدل الهرب منه. لا نستطيع إنقاذ الإنسانيَّة عن طريق الجريمة، القتل أو الانتحار. المسيح فضَّل أن يموت هو بدل أن يُمِيتَ الآخَرين، هذا لكي

يمنحَ الآخَرين الحياة. بمحبَّته للحياة غلب الموت بموته. من هنا فكرة القيامة. يقول الرسول بولس “إن كان المسيح لم يقم فتبشيرنا باطلٌ وإيمانكم أيضًا باطلٌ” (1 كو 15: 14) لا شيء أسوأ من أن ينغلق الإنسان على نفسه ويعتقد أنّه كلّ شيء. كلّما تنطَّحَ الإنسان ليكتسِب صورة الله ومثاله اكتملَ هو أيضًا كإنسان. التألُّه حَلٌّ وسط بين الكبرياء واليأس، هذا على مثال المسيح ابن الإنسان. آباؤنا ذهبوا إلى الصحراء وعاشوا بالروح فازدادت حياتهم بهاءً وهكذا انتقلوا من الموت إلى الحياة.

* * *

النور الإلهي أشرق من وجوههم هذه خبرة أولى للقيامة. القديس مكسيموس المعترف يقول إن العالم والتاريخ مليئتان ببذور إلهية على رجاء تجلّيها.

اليوم الشعوب تتوق إلى الحرية، ويمرّ ذلك بالتنمية، بالديموقراطية وبالثقافة، ولكن هناك، أيضًا، تسلّط وطغيان للحرِّيّة. الشباب اليوم يتوق إلى الحرية ولكنَّه بدأ يشكُّ بفعاليَّة الاستهلاك. الحرِّيَّة الحقيقيَّة التي لا يشوبها انحلال (aliénation) هي التي تتخطّى المادة إلى الروح.

يبحث الإنسان المعاصر عن المسيح دون أن يعلم. المخدِّرات والجنس لن تقوداه إلاّ إلى مأزق. لا بدّ من العودة إلى الوداعة، إلى اللطف، إلى القداسة.

الكنيسة، كنيسة المسيح، رجاء كبير لعالم اليوم. طوبى للذين يعتنقونها، شرط أن تظلَّ حيّة مع الإله الحيّ إلى الأبد.

أفرام

مطران طرابلس والكورة وتوابعهما

 

 

 

فلسفة الحياة والموت