...

على صورةِ اللهِ ومثالِه

 

 

كلُّ إنسان فريدٌ من نوعه، هذا يعود إلى كونه على صورة الله. يعرِفُنا الخالقُ منذ الأزل، يحبُّنا، يهيِّىء لنا برنامجاً خاصًّا . يُعطينا الإمكانيَّة أن نخلقَ شيئاً جديداً، أن نصبحَ مبدِعين معه (Co-creators)،
ما يدلّ على الطابع الفريد لكلِّ شخص.
نعرف هذا من خلال ما جاءَ في سِفْرِ الرؤيا، حيث يُعطي الرَّبُّ يسوع المسيح لكلِّ شخصٍ يغلب حجراً أبيض: “من يغلب فسأعطيه حصاة بيضاء وعلى الحصاة إسمٌ جديدٌ مكتوب لا يعرفه أحد غير الذي يأخذه” (رؤيا 2: 17).
لذا، كلُّ واحِدٍ منّا له قيمةٌ خاصَّة. يقول الأنبا زوسيما من فلسطين: “خلاص الشَّخص المخلوق على الصُّورة الإلهيَّة هو أثمن، بالنسبة لله، من عشرة آلاف عالَم وكلّ ما تحتويه”.
يقول المزمور: “أنا أَحْمَدُكَ لأنَّكَ رهيبٌ وعجيبٌ في إبداعك إيَّاي” (مز 138: 14).
* * *
الشَّخصُ البشريُّ هو أيقونة لله: “قال الله: لنصنع الإنسان على صورتنا كَمِثالِنا” (تكوين 1: 26). العنصرُ الإلهيُّ فينا هو الَّذي يشكِّلُ أساساً لإنسانيَّتِنا.
هذا يعني أنَّني أساساً في علاقة مع الله. الإنسان بدون الله لا معنى لحياته. نحن في شركة كيانيَّة مع الله. لا يكتفي الإنسان بذاته. إن قلنا من هو الله؟ قلنا من هو الإنسان؟ هذه هي العلاقة العموديّة. هناك أيضًا علاقة أفقيَّة. ألله هو الثالوث القدّوس. أيقونة الله ثالوثيَّة. ألله الذي فِيَّ هو إلهُ حُبٍّ متبادَل، يقول المطران يوحنا زيزيولاس. ألله هو كائن عَلائِقيّ. بدون مَبدأ الشَّراكة لا معنى لكينونته.
هذا هو الإنسان المخلوق على صورة الله. إذاً، من جهة أولى، الإنسان فريد من نوعه. من جهة ثانية، هو في شركة مع الكلّ.
* * *
الإنسان، إذًا، هو إنسان شراكة (être de communion). نستطيع القول: إنِّي بحاجة إليك لكي أكون ما أنا عليه، لذا، أنا مدعوٌّ أن أحبَّك وأن تحبَّني.
كان الفيلسوف رينيه ديكارت (René Descartes) يقول: “أنا أفكّر إذاً أنا موجود” (Je pense donc je suis, Cogito ergo sum) وأنا أقول: أنا أحبُّ إذًا أنا موجود ( j’aime donc je suis و Amor ergo sum) يقول الأب ديمتري ستانيلواي (Staniloae): “أنا لا أعرف نفسي إن كنتُ غيرَ محبوب”.
الإنسانُ هو الوجهُ المتطلّع إلى وجهِ الآخَر.
الجحيم يصوِّرُه مكاريوس المصري كما يلي: يسألُ جمجمة كاهن وثنيٍّ عن أوجاعِه في جهنّم، فيجيب الكاهن: “لا نستطيع في الجحيم أن ننظر وجهاً لوجه إلى بعضنا البعض بل نحن نقف ظهراً إلى ظهر. لكنْ، عندما تُصَلُّون إلينا، حينها نستطيع أن نرى قليلاً وجه الآخَر”.

أن ننظُرَ إلى بعضنا البعض، كما هو الحال في الثالوث القدّوس، هذا ما يجعلنا مخلوقين على صورة الله الثالوثي، عندها نكون ونحيا.
أفرام، مطران طرابلس والكورة وتوابعهما
عن “الكرمة”، العدد 28، الأحد 8 تموز 2012

 

 

 

على صورةِ اللهِ ومثالِه