...

سراج الكنيسة هو الأسقف

 

(رقد أسقف قيصرية الكبادوك سنة ،370 وكان من الضروري انتخاب خلف له، وكان غريغوريوس ووالده يعتبران باسيليوس خير خلف له، فكتب غريغوريوس باسم والده الرسالة التالية إلى كنيسة قيصرية):
” ما أنا إلا راعٍ حقير لرعية قليلة، إني أصغر خدام الروح القدس بيد أن النعمة لا تعرف الضيق والمحدودية، من الضروري أن يسمح للصغار بالكلام في قضايا عامة وهامة جداً وخصوصاً إذا كان موجه النصائح شيخاً له وعيه القليل ما ليس للكثيرين.
إنكم عازمون على البت في قضايا ليست بثانوية أو عادية بل قضايا قد يكون لحلها الصالح أو السيء مردوده المقابل للرعية، الغاية هي الكنيسة التي مات المسيح من أجلها ومن سيقودها ويقدمها الله.
” سراج الجسد هو العين” المقصود هنا هي العين الروحية التي ترى وتُرى لا العين الجسدية فقط، سراج الكنيسة هو الأسقف، طبيعي أن يتجه الجسد اتجاهاً حسناً إذا كانت العين صافية وأن يسلك سلوكاً سيئاً إذا كانت عكرة، فالأسقف كرئيس يعرضنا للخطر بالضرورة إذا كان مسلكه مشيناً ويقودنا إلى الخلاص إذا كانت عينه نقية، لذلك يجب أن نهتم بكم اهتماماً خاصاً لأن كنيستكم كانت أماً لكل الكنائس في المنطقة ولا تزال تعتبر محوراً يرجع إليه في كل الأمور ولم تكتسب ذلك لأنها بشرت الجميع بالتعليم الأرثوذكسي بل لأن الله وهبها نعمة التضامن والوئام.
دعوتموني لأبحث القضية معكم، اعملوا بصدق ووفقاً للقوانين، إني منهوك القوى بسبب الشيخوخة والمرض، إذا قدر لي واستعدت قوتي بنعمة الروح القدس أتيتكم ولا شيء غير مستطاع للمؤمن، أما إذا غلبني المرض وأقعدني ومنعني عن المجيء إليكم فإني لمساهم معكم بما يمكنني الإسهام وأنا بعيد، إني واثق أن الرجال الجديرين بالإدارة موجودون وهذا ناتج عن حسن التوجيه في الرعية منذ القديم، لكني أفضل على كل هؤلاء الرجال الأكفاء المحترمين جداً باسيليوس ولدي الحبيب إلى الرب.
شاهد الرب على كلامي: إنه إنسان ذو حياة نقية وتعليم نقي، إنه الوحيد بين الجميع الذي يستطيع أن يقاوم اتجاهين، صعوبات الساعة الحاضرة وهوس الخطابة عند الهراطقة.
اكتب هذا إلى الكهنة والرهبان وأصحاب المركز والحكام وإلى كل الشعب، فإذا نزلتم عند رأيي وعملتم بترشيحي، وترشيحي صادق وصحيح مادمت قد فكرت به مع الله، فإني سأكون معكم روحياً أو بالأحرى أن يدي ستكون في العمل معكم ولي ملء الثقة بفعل الروح القدس، أما إذا كان لكم رأي مخالف لرأيي وكانت القرابات والعصبيات القبلية هي التي تقرر كل شيء وكان الضغط الشعبي يحاول أن يعكر الهدوء فافعلوا ما يروقكم فلن أتدخل “.
(وكانت قضية انتخاب باسيليوس قضية صعبة، عندما يكون المرشحون على مستوى شخصية باسيليوس تتعقد الأمور وتتضارب المصالح ويتحسب المغرضون ويخاف الضعفاء على مستقبلهم، الضعفاء الذين لا يسلكون إلا في إدارة ضعيفة ولا يرفعون رؤوسهم إلا عندما تلوح بادرة الشر، لم تكف رسائل غريغوريوس لانتخاب باسيليوس فاضطر والده بالرغم من شيخوخته ومرضه أن يسافر إلى قيصرية ليدلي بصوته ويحقق الفوز لباسيليوس ويعود ميتاً محمولاً في نعش)، يروي غريغوريوس هذا الحادث المؤثر في تأبينه لوالده: “كان الأساقفة بحاجة إلى صوت واحد لتكون السيامة قانونية، وقد نهض والدي من سريره بالرغم من شيخوخته ومرضه وسافر إلى قيصرية، بالحقيقة حملوا جسده الذي كان يلفظ أنفاسه، كان واثقاً أنه إذا أصيب بمكروه فإن موته سيكون من أشرف الميتات. حدث ما يثير العجب وهذا ليس بمستغرب: قوّاه العمل، والغيرة جدّدته، فكان يوجّه ويدير حتى وضع المنتخب على كرسي الأسقفية، ثم عاد محمولاً في نعش بل في فُلك مقدس”.

المطران الياس (معوض)

عن “مجلة النور”، الأعداد 4- 5 – 6، حزيران – تموز – آب 1966، السنة 22، الصفحة 121.

 

 

سراج الكنيسة هو الأسقف