...

العالم الأرثوذكسي والاحتفالات

 

 

 

 

منذ أن أعلن الإمبراطور قسطنطين الكبير المعادل الرسل إمبراطور بيزنطية الأوّل، أو الإمبراطورية الرومانية بعاصمتها الشرقية القسطنطينية، حدث تغيير كبير في روحانية الكنيسة، وعلى علاقة المسيحيين مع بعضهم البعض. ويمكننا أن نقول أن الكنيسة تأثرت بالدولة بدلاً أن تمسحن الكنيسة الدولة، وتعمدها في جرن معمودية السلم والسلام، والرحمة والتواضع. وقد أدرك ذلك القديس يوحنا الذهبي الفم عندما كان بطريركاً على القسطنطينية، ونبه حول الاحتفالات ومشاركة الإكليروس في هذه الإحتفالات الرسمية وغير الرسمية التي تجري في العالم. وطالب أن نعطي هذه الإحتفالات طابعاً إنسانياً أكثر منه رسمياً. لأن الرسميات بالحقيقة تقتل الروح إذا لم تكن مرتبطة بروح التواضع والمحبة والتطلّع نحو الآخر على أنه مخلوق على صورة الله ومثاله، ويستحق كل محبة. طالب القديس يوحنا الذهبي الفم بأن نطبق ما قاله ربنا يسوع المسيح بأن ندعو الذين هم بحاجة لطعام وشراب الى موائدنا لكي نكسب بدلاً منها أضعافاً في ملكوت السموات. ويزيد على ذلك الذهبي الفم بأن الذين ندعوهم يتفضلون علينا بما يقدمونه لنا من مكافأة أبدية بدلاً من الشيء الزائل الذي نحن نقدمه لهم.
وبالرغم من أن الكنيسة والاكليروس على الغالب يطالبون بالعودة للروح المسيحية الحقة التي أساساتها التواضع والبساطة، وذلك في إقامة الأسرار، والخدمات الكنسية كالأعراس والعمادات ومناسبات الأحزان لأن كثيرين باتوا يصنعون منها مناسبات شخصية وعائلية مع أن التقليد وتاريخ هذه في الحياة الكنسية لقرون عديدة يدل على أنها كانت مناسبات رعوية تشارك بها الكنيسة المحليّة بحسب إمكانات أشخاصها الزمنية وليس بحسب العلاقات الشخصية مثلاً المصوِّر والهديّة، هويّة العراب للطفل، والمائدة هو الأهم حتى من السر ذاته، قليلون هم الذين يتابعون شأن الصلاة في المعمودية أو الزواج أو الوفاة، ولكن يدققون في أدق تفاصيل الأشياء المضافة على أصل السر والاحتفال الديني الكنسي. وصار الناس يدعون بعضهم الى هذه المناسبات على أساس الغنى والوجاهة، وليس على أساس أن أبناء الرعية الواحدة هم جسد واحد يصلي بعضهم لأجل بعض كما ويتعاضدون فيما بينهم.
لا تنطبق هذه الحالات فقط على العلمانيين مع عدم جواز التعبير في الكنيسة الكل أصحاب مواهب ويتمايزون بحسب مواهبهم. هذه الحالات تنطبق على سيامات الشمامسة والكهنة والمطارنة وإن كان بشكل أقل، وذلك بحسب الأشخاص والبلدان، فالذي يصرف على الإحتفالات في السيامات الكهنوتية يبلغ أحياناً مبالغاً لا تصدق كثمن بدلات وصلبان وموائد وبطاقات طائرات من بلد الى بلد وأجارات الأوتيلات والهدايا المتابدلة، والجميل في الأمر أن البعض يراعون وضع البلد الإقتصادي فيمسكون بعض الشيء. ولا يمسكون في كثير من البلدان الغنية مع أنه بالامكان أن يوجد كثيرون من الفقراء الذين بحاجة لطعام أو شراب أو معالجة صحية إلخ، ولا من يلتفت إليهم أو يعيرهم إهتماماً. إذاً التشبه بأهل العالم من قبل أبناء الكنيسة وأحياناً رعاتها يبعد الناس عن العلاقة مع الله ويبرِّد شعلة الإيمان في صدور الناس.
إن معمودية واحدة يحضر صلاتها ومائدتها إخوة يسوع الصغار لفيها آلاف البركات، ولأشرف من حفلات نقيمها وتحييها راقصة أو مطرب يتفوّه بما لا يليق.
يبدو أننا قد ارتضينا أن تكون مملكتنا من هذا العالم، مع أن ربنا يسوع المسيح يؤنبنا وينبهنا بأن مملكته ليست من هذا العالم، وأوجب علينا المحبة لبعضنا البعض أولاً ثم للناس. فهل يأتي زمن لنصنع له قصوراً من قلوبنا الحيّة لا من كنوزنا الجامدة على هذا الرجاء أقول لكم ستكنون كالنبي إيليا تصرخون في وجه الباطل وكل القائمين به “حي هو الرب الإله الذي نحن واقفون أمامه”. على رجاء أن نصل الى ذلك الزمن الذي نعمل كأبناء الملكوت ووارثين لله الآب أقول لكم كل عام وأنتم بخير وأعايد كل الذين يحملون شفاعته واسمه والى أعوام عديدة بالصحة والعافية والقداسة، آمين.
باسيليوس، مطران عكار وتوابعها
عن “الكلمة”، الصادرة عن كنيسة طرطوس، السنة 13، العدد 29، الأحد 20 تمّوز 2014

 

 

العالم الأرثوذكسي والاحتفالات