...

الصَّلاة

 

 

 

الصَّلاة عِشْرَةُ الإنسان مع الله. حسب القول الشائع: “قُلْ لي من تُعاشِر أَقُلْ لكَ من أنت”. بناء عليه، الصَّلاة تُتْحِدُ الإنسانَ مع الله ومع الآخَرين. هي مرآةٌ للإنسان، إيضاح ٌ لحالِه. الإنسانُ الَّذي يصلّي حقيقةً يقفُ أمام الله كما في يوم الدينونة، يستَبِقُ يومَ الحساب. الصَّلاةُ إلى يسوع تصرخُ إلينا قائلة:
“تعالوا إليّ يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال وأنا أريحكم. احملوا نيري عليكم (…) فتجدوا راحة لنفوسكم، لأن نيري هيّن وحملي خفيف”. (مت 11: 28 – 30)
نعم!، نيرُ الصَّلاةِ صعبٌ في البداية. لذلك، عندما يقتربُ الإنسانُ من الله، عليه أن يَغْصِبَ نفسَه للصَّلاة، حتَّى ولو كان قلبه لا يريد ذلك. عندما يرى اللهُ اجتهادَه وغصبَ ارادتِه، عندها سوف يعطيه الصَّلاة النَّقيَّة.
هذا ما يقوله القدّيس مكاريوس المصريّ في مواعظه الشَّهيرة، ويضيف: “عليه (أي على الإنسان) أن يغصِبَ نفسَه لكي يحبَّ دون أن يكون له رغبةٌ في ذلك، عليه أن يغصبَ نفسَه لعملِ الخير… عندما يرى اللهُ جهدَه سوف يعطيه المحبّة الحقيقيَّة، اللطف، الوداعة، كلّ خير. بكلمة واحدة سوف يمنحه عطايا الرُّوح القدس كلّها”.

* * *

الصَّلاة الحارَّة تدفعُ الإنسان المُصَلِّي إلى خدمةِ الآخَرِين. أُنظُرُوا إلى الملائكة الَّذين يُصَلُّون بلا فتور، كيف أنَّهم، كما يقول الكتاب، مُرْسَلُونَ لخدمة الَّذين يَرِثُونَ الخلاص (عبرانيين 1: 14).
بالصَّلاة يُصبِحُ الفردُ (individu) شريكًا مع الله، شريكًا مع الآخَرين(*). يَخرجُ من ذاته، من وحدته، من ضجره، من عدميَّته. يكتسب هدوءًا وسلامًا في نفسه، في أفكاره، يكتسبُ تمييزًا (discernement) ويَقَظَةً (vigilance).
الصَّلاة تدفعنا إلى مشاركة آلامِ الآخَرين، وكذلك أفراحهم. هذا ما نسمّيه جامعيَّة الصَّلاة.
الحديثُ طويلٌ عنها وعن فاعليَّتِها. كلُّ ذلك في مرحلةِ الحياة العمليَّة. أمّا الصَّلاةُ الحقيقيَّة، أي النَّقيَّة، فهي تقودُنا إلى الرؤيا ، وهي كمالُ نعمةِ الله، هذا مع استِنَارَةِ العقل. يصبح فكرُنا فكرَ المسيح (1 كو 2: 15، (théoria)فيلبي 2: 5).
كلُّ ذلك ليس نتاجًا فكريًّا فحسب، ولا أسلوبًا تَقَوِيًّا فقط، بل نتيجةُ خبرة معيوشة في قلوبٍ مُطَهَّرَةٍ من الأهواء، حقيقةٌ تُدرَكُ من خلال قوى الله غير المخلوقة (énergies non créées)

* * *

إِنْ توقَّفَتِ الصَّلاةُ عن الشِّفاهِ البشريَّة، تأتي نهايةُ الحياة الأرضيّة باستفحال الشرّ. لأنَّه، عندئذ، “لا يكون زمانٌ بعد” (رؤيا 10: 6).
الصَّلاةُ، في النِّهاية، تعبيرٌ عن شوقِنا إلى الله وإلى القريب، محبّةِ الله ومحبّةِ الآخَرين. هي صعبةٌ لأنَّها مجَّانيَّةٌ لا تبغي كَسْبًا مادِّيًّا.هي طريقةُ تواصُلٍ (moyen de communication)، إتِّصالٍ سريع أكثر من سرعة الضوء، أفضل من كلّ وسائل الإتِّصالات الحديثة: Facebook،Skipe ،.Satellite فيها سماعٌ وفيها رؤيا. كلّ ذلك لإعادة السَّلام إلى عالم يتجاذَب ويتخاصَم. لذا، يطلبُ الكثيرون من الآباء أن يصلّوا من أجلهم.

بمقدور الصَّلاة أن تجمَعَ المُتَفَرِّقين إلى واحد.

أفرام، مطران طرابلس والكورة وتوابعهما

عن “الكرمة”، العدد 51، الأحد 18 كانون الأوّل 2011

 

 

الصَّلاة