...

الشِّرِّير

 

 

 

في الأصل اليونانيّ كلمة “ذِيَافُولُس” (وفي الفرنسيّة diable)، أي الشّيطان، هو الَّذي يُفَرِّق. إذًا هو نقيض الله الَّذي يجمع في المسيح الإله. إنَّ محبَّةَ المسيحِ تَجْمَعُنَا دونَ أنْ تُلْغِي فرادَةَ كلِّ واحدٍ مِنَّا (unicité). أمَّا الشَّيطان فهو ضدّ المسيح antéchrist (1 يوحنّا 2: 18)، هو أمير هذا العالم الفاسِد (يوحنّا 12: 31) (le prince dece monde).

 

في العائلة، في الرّعيّة، في الزّواج، حيث يسود المسيح، هناك وِحْدَةٌ في المحبّة. لا يكون هناك تَسَلُّطٌ ولا اسْتِعْبَادٌ لشهوةِ أَحَد، ولا للمصلحة الشّخصيّة. وإلّا يَحْكُمُ الشّيطان الّذي يتوخّى موتنا الرّوحيّ، أن يقتُلَنَا نفسانِيًّا (Psychiquement). لذلك، السّؤال الكبير يُطرَح: مَنِ الّذي يَسُودُ في حياتِكَ: المسيح أم الشّيطان؟!. الشّيطان يُغْرِيكَ (séducteur) عن طريق الشّهوة، عن طريق المال، عن طريق السُّلطة، لكن مع يسوع لم يَعُدْ له جمال (charme). في المسيح يسوع نحن نُفْلِتُ من تَسَلُّطِ الشِّرِّير.
 

لقد تنبَّأَ واحِدٌ من القوم، وهو رئيس الكهنة، بأنّ يسوع مُزْمِعٌ أن يموتَ ليجمَعَ المُتَفَرِّقِينَ إلى واحِد (يوحنا 11: 52).

 

القضيَّة تتطلَّب، إذًا، تضحية حتّى الموت “لأَنَّ الشَّيْطَانَ نَفْسَهُ يُغَيِّرُ شَكْلَهُ إِلَى شِبْهِ مَلاَكِ نُورٍ!” (2 كورنثوس 11: 14)، لكي يُغْرِينَا ويتسلَّطَ علينا. يقول الرَّسول بطرس    (1 بطرس 5: 8) “اُصْحُوا وَاسْهَرُوا. لأَنَّ إِبْلِيسَ خَصْمَكُمْ كَأَسَدٍ زَائِرٍ، يَجُولُ مُلْتَمِسًا مَنْ يَبْتَلِعُهُ هُوَ”.

عَمَلُ الشَّيطان، أيضًا، هو أنْ يُرِيكَ عيوبَ الآخَرين حتَّى تكرَهَهُم وتحقِد عليهم، فينطفئ النّور الإلهيّ فيك وتُظْلِم، فلا تعود ترى إلّا البغض والعداوة: هذه “هي الحَيَّة القديمة إبليس والشَّيطان” (رؤيا 20: 2).

 

                                   

أَيُّها الإخوة الأحبَّاء، كَمْ مِنَ الشُّرور نواجِهُهَا في حياتنا، بخاصَّة في هذه الأيّام الصَّعبة، كلّها تأتي بسبب أهوائنا، بسبب شهواتنا، بسبب خطايانا، يستغلُّها دائمًا الرُّوح الشِّرِّير. لذلك، علينا، أوّلًا، أن ننظر إلى أخطائنا وننقّيّ ذواتنا من كلّ بغض، ومن عشق ملذّات هذا العالم الفاسِد عودةً إلى الفضائل الإنجيليّة الّتي تغيب أكثر فأكثر في هذه الأيام المضطرِبَة. فلا نعود نخاف ممَّا يجري حولنا بل، على العكس، بنور المسيح القائم من الموت يبقى عندنا الرّجاء والصّمود، لأنَّ الرَّبَّ قريبٌ، وقريبٌ وعزيزٌ جدًّا.

 

أفرام، مطران طرابلس والكورة وتوابعهما

عن “الكرمة”، العدد 32، الأحد 10 آب 2014

 

 

 

 

 

 

الشِّرِّير