...

الأَلَمُ والمَرَضُ

 

 

الألمُ نوعان، جسديٌّ ونفسيٌّ. وهناك رابِطٌ قويٌّ بين الإثنين. في اللغة اليونانيَّة يُقالُ له “pathos”، ومعناه الهوى أو الوجَع. هذا ما يظهر في الترتيلة الشَّائِعَة: “منذ شبابي آلامٌ كثيرةٌ تحارِبُني، لكن أنتَ يا مُخَلِّصي أُعْضُدْنِي وخَلِّصْنِي”.
على كلِّ حالٍ، يبقى الألمُ صعباً، جسديّاً كان أم نفسيّاً. لذا، السَّعي والواجِب يكونان، دائماً، في أنَّه علينا أَنْ نُخَفِّفَ من آلامِ الآخَرِين.
الحقيقةُ الثانية، هي أَنَّ اللهَ لا يُريدُ الألمَ للبشَرِ، وقد سَعَى هو نفسُه ليشفِيَ مرضَى متألِّـمِينَ كثيرين. مِثالاً على ذلك، تعليمُ الرَّبِّ في مَثَلِ السَّامري الشَّفُوق الَّذي صَبَّ زيتاً وخمراً على جراحِ مَنْ وقعَ في أيدي اللصوص.
* * *
مِنْ فوائِدِ الألمِ والمرضِ أَنَّنَا نشعرُ بضعفِنَا ونتواضَعُ طالِبينَ معونةَ الله. طبعاً، الآلام سيفٌ ذو حدَّيْنِ، فهي إمَّا أَنْ تقودَ إلى الفائِدَة: الصَّبر، التواضع…، وإمَّا أَنْ تقودَ إلى اليَأْسِ وحتَّى الكُفْر. عَظَمَةُ الإنسانِ المسيحيِّ تقومُ، ليس في أَنَّه يفتِّشُ عن بَلْسَمٍ فائِقِ الطَّبيعَة للتَّخَلُّصِ من المرضِ، إنَّمَا تَكْمُنُ عظمتُهُ في أَنَّهُ يعيشُ الألمَ بطريقةٍ فائِقَةِ الطَّبيعة. يقول الفيلسوف المسيحي Nicolas Berdiaev: “الألمُ خبرةٌ روحيَّةٌ يُنْظَرُ إليهِ تحت قانونِ النِّعمة لا تحت ما هو مسموحٌ وما هو ممنوع”.

ربّما عن هذه الطريق نتذكَّرُ خطايانا، نعترفُ بها، نتوبُ عنها ونتذكَّرُ الموت.
الإنسانُ أثناءَ ضعفهِ يختبِرُ قوَّةَ الله: “حينما أكونُ ضعيفًا فحينئذٍ أكونُ قويًّا” (2 كور 12: 10). يقول القدّيس اسحق السرياني:
“الرَّبُّ قريبٌ من القلبِ المتالِّمِ الَّذي يطلبُهُ في المُصيبَة”.
* * *
فيما يختصُّ بمرافَقَةِ المريضِ المتألِّمِ، لا تُفيدُهُ كثرةُ الكلامِ الوَعْظِيّ. يُفيدُهُ الحضورُ والسَّماعُ أَوَّلاً، ترافقُهُما كلمات بسيطة معزِّيَة مع صلاة. الأَلَمُ يمكنُ أَنْ يصبحَ لقاءً مع المسيح.
لا ننسى الآلامَ الطوعيَّةَ الَّتي كانت للمسيح وكيف علينا أن نتشبَّه بها. يذكرُ النَّبيُّ أشعيا في معرِضِ حديثِه عن العبدِ المتأَلِّـم: “بجراحِهِ شُفِينَا” (أشعيا 53: 5). كما يذكرُ في مكان آخَر الجملةَ المعروفَة:
“مثلَ خروفٍ سيقَ إلى الذَّبْحِ، وكَحَمَلٍ بريءٍ من العَيْبِ أمامَ الَّذي يجُزُّهُ هكذا لا يفتَحُ فاه. بتواضُعِه ارتفَعَت حكومتُهُ، أمَّا جيلُه فمَنْ يصفُهُ. لأَنَّ حكومَتَهُ قد ارتفَعَتْ عن الأرض” (أشعيا 53: 7-8)
الدَّواءُ النَّاجِعُ للأَلَـمِ هو أَنْ نَقْرَعَ على الصَّدرِ ونصرخَ: “يا يسوع!، يا ابنَ اللهِ ارحمني”.
+ أفرام مطران طرابلس والكورة وتوابعهما

 

 

الأَلَمُ والمَرَضُ