...

الأحد بعد رفع الصليب

 

قال الرب :” من أراد أن يتبعني فليكفر بنفسه ويحمل صليبه ويتبعني” للوهلة الأولى تظن أن الأمر مستحيلاً فكيف لك أن تكفر بنفسك؟ هل ينكر الإنسان ذاته؟ وماذا يقصد الرب يسوع؟ نعم أن تنكر ذاتك يعني أن تحب الرب يسوع أكثر من أي شيئ، لتستحق أن تتبعه، أن تتخلى عن مجدك، والأنا التي تتملكك لتمتلك محبة المسيح وتغدو تلميذه الحقيقي. فمهما يبدو الأمر صعبا إن كنت تحب حباً حقيقياً، يساعدك الله في التخلي عن الذات وأمجادها ويزينك بصفة التلميذ، فما تعود تلميذاً لذاتك بل تلميذاً للمحبة تلميذاً للرب يسوع.

حمل الصليب يعني أن تتبع درب الجلجلة كما مُعلمك، أن تتبعَ المسيح في درب ألامه، فكما معلمك استهزؤا به وعيروه, هكذا أنت ستُعَيّر لأن الناس سيعاكسونك ويسخرون منك، وهذا لا يقتصر على من هم من غير إيمانك، بل ستُضطهد أيضاً ممن ينتمون إسمياً لجسد الكنيسة، الذين انحرفوا عن طريق الرب، فأصبحوا كالدم الفاسد في الجسم الصحيح.

 إن رغبت إذاً أن تتبع المسيح، فعليك بحمل الصليب. سامح الآثمين ولكن لا تُذعنْ لهم. لا تعطي أُذنك لملذات العالم الباطلة بل فقط لنداء الرب يسوع الجميل.لا تَدَعْ سعادة الشرير الكاذبة تفسدك. ازدري كل شيء لتستحق العيش بصحبة من خلق كل شيء وأبدع الكل بكلمته.

“لأن من أراد أن يخلص نفسه يهلكها ومن أهلك نفسه من أجلي ومن أجل الإنجيل يخلصها”

 يقول المغبوط أوغسطينوس :” إهلاك النفس خطيئة كبرى وهذا ما لا يريده الرب لكن المقصود بإهلاك النفس، هو أن تقتل ما في داخلك من تعلقٍ بالدنيا، لأنه يبعدك عن التعلق بالأبديات ويلصقك بالفانيات”. فأنت بقتل الخطيئة في ذاتك تخسر الدنيا وما فيها لتربح المسيح ومجده المعدُ لك منذ إنشاء العالم. نعم تخلص نفسك ناقلاً إياها من الزمن الوقتي إلى الأبدية.

إن إنكار الذات وإهلاك الخطيئة وحمل الصليب من قبل الإنسان يتطلب منه أن يمتلك قدمين كقدمي المسيح أن يمتلك  قدمي التواضع والمحبة، الفضيلتين اللتين تقودان إلى القمة. فعليه إذاً أن يقيم في المسيح ويمشي بقدمي المحبة والتواضع محباً حتى الموت، وباذلاً نفسه من أجل الأخرين كما عليه أن يماثل ِضعَتَ المسيح إن أراد أن يبلغ رفعته.

فماذا ينفع الإنسان إن ربح الأرضيات وملذات العالم وخسر السماويات وأفراحها، ماذا ينفعه إن كسب هذا الزمن المحدود وخسر الأبدية التي لا نهاية لها.

نعم يا إخوتي يقول سيزاريوس أسقف أرليس: ” من الأجدى والأفضل أن نحب العالم من ضمن علاقته بصانعه. العالم جميل، لكن الذي كوّنه أجمل بكثير. العالم مجيد، لكنَّ الذي أسَّسه أَمجد منه. لذلك فلنعمل على قدر طاقتنا، يا أحبّة لكي لا يغرقنا حب العالم، ولكي لا نحب المخلوق أكثر من الخالق. لقد أعطانا الله الأرضيات لكي نحبه بكل قلوبنا ونفوسنا[1]. لكننا نثير غضبه علينا عندما نحب عطاياه أكثر من حبنا إياه.”[2]

“لأن من يستحي بي وبكلامي في هذا الجيل الفاسق الخاطئ يستحي به ابن البشر متى أتى في مجد أبيه مع الملائكة القديسين.”

إن ابن الله صُلب، وأنا لا أخجل إذا خجل الناس منه. إن إبن الله مات. وهذا ما أُؤمن به، لأنه قد يبدو ذلك للأخرين حماقة كما أنه بالحقيقة قام لأنه هو نفسه الحق. يقول العلامة ترتليانوس[3]

هل يظُنُّ نفسه مسيحياً من يكون خجلاً بمسيحيتهِ، أو من يخاف أن يكون مسيحياً؟ كيف يقدر أن يكون مع المسيح من يخجل أو يخاف من الإنتماء إلى المسيح؟ يذكر القديس كبريانوس[4].

حريٌ بنا أن نفتخر بمسيحيتنا فالرب طوَّب المضطهدين من أجل إسمه، قائلاً إن أجرهم عظيم في السماوات.

فإن كان الرب يسوع قد قبل طبيعتنا واحتمل ضِعتها ليمحنا أن نشاركه بمجده الإلهي، أفليس جديرٌ بنا أن نفرح بمسيحنا، ونفتخر باسمه القدوس؟ ثم إنك إن فعلت هذا فأنت تعيش ملكوت السموات في داخلك منذ هذه اللحظة، ولن تموتَ إذا متَ، لأنك قد متِ قبل أن تموت، فأنت تعيش الملكوت في داخلك وتتطلع لكماله في الآخرة وللمشاركة مع الأبرار والقديسين في المجد الأزلي

 آمين.

 

قدس الأرشمندريت الدكتور أرسانيوس دحدل

 

 الأحد بعد رفع الصليب


[1] . أنظر تثنية 10: 12 ؛ متى 22: 37.

[2] . Cetedoc Library of Christian Latin. CLCLT-4 on CD-Rom. 1008, 104. 159.5.16, Edited by Tombeur. Turnhout, Brepols, 2000; Father of  the Church: A New Translation. 47:369**. Washington, D.C.: Catholic University of  America Press, 1947-.

[3] .  Ceteddoc 0018, 5. 24.

[4]  . Ceteddoc 0042, 28. 557.