...

الأسقف

 

 

هذه القولة للرب يسوع التي نادى بها العالم تنطبق أشدّ انطباق على الأُسقف. فالأُسقف تحديدا مصلوب لأن الرئاسة لا تليق إلا بمن قبِل أن يُميت نفسه حُبّا. ومشكلة الرئيس الروحية أنه يسعى الى خلاص نفسه وإلى خلاص الآخرين، وهذان متلازمان، وإلا هلك كما يهلك الخاطئون جميعا.
الأنا هي المشكلة الوحيدة في العالم. هذه الأنا المنغلقة المتغطرسة المتعجرفة الدائسة الناس، هذه أنت مدعوّ أن تُميتها كليا فيك لتستقرّ فيك «أنا» المسيح، أي لتصير مسيحًا، كما دعا الوحي الإلهي الى ذلك. ويُعوزنا جميعا الوعيُ، وفي هذه المسؤوليةُ، الوعيُ أن نهرب من التسلّط لأن كل سلطان مُفسد. والسلطان المطلَق مُفسد كليا. إذًا تمحو أنت في نفسك السلطان المطلق، ليسود الله عليك، وبك على الآخرين. هذه نعمةٌ تنزل عليك متى شاءت، ولكنك تطلبها بالصلاة الدائمة، ولا سيما بدعائك يسوع: «أيها الرب يسوع المسيح، يا ابن الله، ارحمني أنا الخاطئ».
وعيُك لخطاياك سرّ إعادتك الآخرين الى البِر، لأن من ظن نفسه بارّا لا يقدر أن يردّ آخرين الى البرارة. عملية انسحاق، ولا سيما أمام الأغبياء. والرعية مليئة بالأغبياء، لأننا خلال قرون لم نُعلّم، وحَسِبْنا أن من استمع الى التهليل والترتيل، وكان له صوتٌ جميل، من استمع هكذا تلقائيا يتعلّم. هذا هو الخطأ الكبير الفادح الذي وقع به الأرثوذكسيون خلال قرون. لا تستطيعون أن تعرفوا إلا إذا قرأتم في بيوتكم الكلمة الإلهية وما إليها.
أنت راعٍ ليس فقط للكنيسة التي تُسنَد إليك رعايتُها، ولكنك راع للكنيسة الجامعة. كل أُسقفٍ أُسقفٌ في الكنيسة الجامعة، أي لا بد أن تكون الكنائسُ الأرثوذكسية كلها في هاجسك. واذا نظرتَ الى كنائسنا من أقاصي الدنيا إلى أقاصيها، تجد، كما وصفها كتاب الراعي لهرماس، أنها شيخة، مهترئة، هابطة. لعلّ الكنيسة المسيحية كانت دائما هكذا، ونبغ فيها قلة من الناس. من يعرف أسماء الأساقفة الذين دانوا في مجمع السنديانة القديسَ يوحنا الذهبيّ الفم؟ ناسٌ بطّالون، مرتشون، عبيدٌ للسلطة السياسية، قتلوا هذا الرجل، وبقي هو منذ السنة الأربع مئة والسبع.
همّكَ إذًا سيكون الكنيسةَ كلها، لكي تنقلها من حالة الشيخة المُسنّة المهترئة الهابطة، الى حالة العروس، كما نادى بذلك كتاب الراعي.
ما العمل؟ العروس فتاةٌ عفيفة يخطُب ودّها رجلٌ لكي يجعلها مُحبّبة له، ويجعل نفسَه في خدمتها وخدمة العائلة التي ستنشأ. ما معنى أن تصبح الرعية التي أرجو أن تُسنَد لك في الآتيات، ماذا يعني أن تكون الكنيسة عفيفة؟ هذا يعني ألا تَعرف زوجًا لها آخر، وزوجُها المسيح. هذا يعني أنها لا تخلط الإيمان به بإيمانات مزيّفة. هذا يعني الإخلاصَ الدائم. وهذا يعني لك فضائلَ متراكمةً متزايدةً يوما بعد يوم. تُدقّق نفسك فيما إذا كنت اتّبعتها أو لم تّتبعها بالقدر الكافي.
ستصير سيدا على الناس إن استمعتَ إلى ما جاء في إنجيل مرقس أن من شاء أن يكون أوّلَ يكون للكل خادما. ليس في الكنيسة زعامة. فيها سيادة الخدمة فقط. انا لستُ أُدين احدا، ولكن سمعتُ هكذا أنه يوجد انبساطٌ عند بعضٍ من المطارنة أن يسودوا الناس. لستُ أَدلّ على أحد، ولكني واعظ أي مُربّ، ويُسمع صوتُ الواعظ باتّضاع. والمستمع يأخذ درسا لنفسه. طبعًا أنا شئتُ أن أُعلّمك لأني الأسبق “في العمر”، ولست أقول “في الفهم”.
ستمشي إذًا في كنيسة الله بالانسحاق الذي يهبُكَ المسيحُ إياه. ماذا يعني الانسحاق؟ هو يعني أنك تثق في الحقيقة، وليس في التبجّح الأُسقفي، أنك لا شيء. وتثق ثانيا أنك تصبح شيئا عظيما بالمواهب التي ستتنزّل عليك، لأننا أصحاب مواهب على قدر الطاعة، وعلى قدر الجهد، وعلى قدر الاطّلاع، وعلى قدر العِلم. لا يجوز منذ الآن، وأنا أَعرف الذين سبقونا، لا يجوز منذ الآن أن يكون كاهن جاهل أو أُسقف جاهل. هذا ممنوع. تدرس إذًا حتى منتصف الليل، تدرس! تدرس! تدرس! لأنك معلّم، لأننا جعلناك مسيحًا. طبعًا على المؤمنين أن يعوا كلمة الله: «لا تَمسّوا مسحائي يقول الله». ولكن عليك انت ألا تمسّهم بطهارتهم، اي عليك أن تبقى قدوة كما عرفتُك انت منذ مطلع شبابك، لأنك مسؤول، لأنه طُلب إليك أن تُدخل الخراف الى الحظيرة، وأن تُغلق باب الحظيرة لئلا يتسرب اليها الغرباء.
اذهب بهذا، ولا تنسَ كلمةً من هذه الكلمات، لأن الذين سيأتون بعد هذا الرعيل الذي أرجو أن يبقى مباركا، سيأتي الأَفتَون من بعدنا ومن بعدك. واذا رأوك محمولا الى قبرك، ستكون أنت سعيدا في الملكوت اذا قال هؤلاء: هذا كان أُسقفا قديسا، آمين.

 

 

الأسقف