...

أحد المخلَّع

 

 

 

 

في إنجيل اليوم ، يكلِّمُ قائدُ المئةِ يسوعَ قائلاً: “إنّ فتاي ملقًى في البيت مخلَّعًا يُعذَّب بعذاب شديد”، وكأنّه لسان حال إنسانِنا المعاصِر الَّذي يشعر بأنَّه مترامي الأطراف، مخلَّعةٌ كلٌّ منها عن وحدتها. وتتمثَّل هذه العذاباتُ بشكل تجاذبات واضطرابات داخليَّة وخارجيَّة نشعرُ معها كأنَّها انفصامٌ بالشَّخصيَّة. تـــُرى ما سببُ تلك الإرهاصاتِ* بالنفس البشرية؟ وكيف؟ ومن يداويها؟ السَّبب الرَّئيسيّ لإحساسنا بتلك الغربةِ عن ذاتـِنا هو غيابُ مفهوم الغاية من حياتِنا، وبضياعه يختفي المركز. بحسب إيماننا “المركز والغاية” هما المسيح الَّذي  هو البداية والنّهاية. حضورُه في حياتِنا بشكل فعليّ هو الكفيلُ بأن يُوَحِّدَ تلك التَّشعُّباتِ ويضمَّها إليه، حيث تصبحُ الرَّغبة ُوالشَّوق متناغمان مع الإرادة والتَّصميم فيفرزان عملًا وممارسةً وحياة. لقد أجاب يسوع: “أنا آتي وأشفيه”، إذًا هو مستعد دومًا للمجيء وليضع علينا عقاقيرَ الشّفاء. في حين يتطلّبُ هذا التّعافي إيمانًا، كمثلِ إيمانِ القائدِ الَّذي لا مثيلَ له! ولعلّ أكثر ما يؤلمنا، عندما نقومُ بكامِل إدراكِنا بأمورٍ تتنافى مع قِيَمِنا، ونضعُ مبرِّراتٍ تُخْمِدُ نارًا ، ويدوي صوتـُها في فكرنا، بدلًا من أن تشدِّدَ حرارتــُها عزيمتَنا للمضيّ بثبات في طريقٍ وعرٍ مُدركين بهاءَ نهايتِها. 

 

الشَّبابُ المعاصِرُ، يا أحبّة، يستطيبُ الأمورَ السّهلةِ والانغماسَ في المتعة. فها نحن مثلاً على أبوابِ فصلِ الصّيفِ، وما يحملـُه من تنوّعٍ في أشكالِ اللِّباسِ والنّشاطاتِ عند الشّبّانِ والشّابّاتِ، ويتناهى معها إلى مسامعِنا عباراتٌ أنّ المسيحيّةَ هي حرِّيَّةٌ وانفتاحٌ وإلخ… في حين سمعنا، ما ورد في الرّسالة من تأكيد، أنّه بالإيمان بالمسيح القائم من الموت، أصبحت أعضاؤنا للبرِّ والقداسةِ، وهذا بالتّالي يعني أنّ أجسادَنا هي مسكنُ القدّوسِ وليست ملكَنا. فإلى أيِّ حدٍّ علينا الانتباهُ عليها، والاعتناءُ بها! فنكسوها حشمةً خارجيةً، وبهذا نحمي العينَ الدّاخليّةَ من خطرِ العثرةِ. فمن يعثر، يعثر ليس فقط بنا بل بالمسيح أيضاً، فمن يقبل هذا؟ إنّ ما يحمله كلّ منّا في قلبه من إيمان هو بحاجة فقط إلى تفعيل، لأنّنا بتفعيله نتغيَّر ونرتقي من اضطراب في المعايير والمقاييس إلى اتّزان ورسوخ. وبذلك نسمع ما قاله السّيّد المسيح: “ليكن لك كما آمنت”. فلكي يعطينا اللهُ شهوةَ قلوبـِنا، جُلّ ما في الأمر أن نحسمَ أمرَنا ونأخذَ القرار. لأنّه بالإتّكال على الله وبالإرادة القويّة، تهدأ عواصِفُنا الدّاخليّة وننعَم ُ بالرّبيع والصّيف الإلهي، ويفوحُ عطرَ المسيح منّا ومن بيننا. وعليه، فإنّ نسيمَ الحقيقةِ الّتي شهدناها بجهادِنا، ويشهدُها العالمُ بشهادتِنا للحقِّ، من خلال أعمالنا، يدفعُنا أن نمجِّدَ أبانا الّذي في السَّماوات. 

 

* إرهاصات: تَوَقُّعَات، مَا يَقَع لِلنَّبِيّ قَبْل الْبَعْثَة وَيَكُون مِنْ مُقَدِّمَات النُّبُوَّة (marks, signs, indications).

 

الأسقف قسطنطين (كيّال)

عن “الكرمة”، العدد 27، الأحد 6 تموز 2014

 

 

 

أحد المخلَّع