...

من ثمار القديس فيلاريت موسكو

يفهم بعض الناس كلمة “حرية” القدرة على عمل أي شيء يرغبون به… الناس الذين يسمحون لذواتهم بأن تستعبدها الخطيئة والأهواء والأدران غالباً ما يظهرون متعصبين للحرية الخارجية، وراغبين في مطّ القوانين بقدر الإمكان. لكن إنساناً من هذا النوع، يستعمل الحرية فقط ليثقّل على ذاته بالعبودية الداخلية. الحرية الحقيقية هي القدرة الفاعلة عند الإنسان، غير المُستَعبَد للخطيئة ولا الموخوز من ضميره المُدين، على اختيار الأفضل على ضوء الحقيقة الإلهية وتحقيقه بمعونة قوة الله المنعِمة. هذه هي الحرية التي لا تحصرها سماء ولا أرض.
على كل مسيحي أن يجد لنفسه السبب والحوافز ليتقدّس. إن كنت تسلك من دون جهاد ومن دون رجاء بأن تصير قديساً، فأنت مسيحي بالاسم لا بالجوهر. ولكن من دون قداسة، ما من أحد يرى الربّ أي ما من أحد يبلغ إلى البركة الأبدية. جدير بالثقة القول بأم المسيح أنى إلى العالم ليخلّص الخطأة (1 تيموثاوس 15:1). لكننا نخدع أنفسنا إذا افتكرنا بأننا مخلّصون فيما نحن ثابتون في الخطيئة. المسيح يخلّص الخطأة بمنحهم الوسائل لأن يصيروا قديسين.
الكنيسة مقدسة بالرغم من وجود خطأة فيها. الذين يخطأون ولكن يطهرون أنفسهم بالتوبة الحقيقية، لا يمنعون الكنيسة من أن تكون مقدسة. أما الخطأة غير التائبين فهم يُقطَعون من جسد الكنيسة، سواء بشكل منظور من الرئاسة الكنسية، أو بشكل غير منظور بحكم إلهي. وعلى هذا الأساس تبقى الكنيسة مقدسة.
ما من شيء يضاد الله مثل الكبرياء لأنها تخفي ضمنها تأليه الذات وعدميتها وخطيئتها. لذا، التواضع مقبول عند الله أكثر من أي شيء آخر، حيث الذات تُعتَبَر لا شيء وكل صلاح وإكرام ومجد يُعزى إلى الله وحده. الكبرياء ترفض النعمة لأنها ممتلئة من ذاتها بينما التواضع يقبل النعمة بسهولة لأنه متححر من ذاته ومن كل ما هو مخلوق. طالما نحن نفكر بأننا قادرون على تقديم شيء ما لذواتنا، لا يباشر الله عملَه فينا. التواضع هو ملح الفضيلة. كما يعطي الملح النكهة للطعام، كذلك التواضع يمنح الكمال للفضيلة. من دون ملح، يفسد الطعام بسهولة، ومن دون تواضع تفسد الفضيلة بسهولة بالكبرياء والمجد الباطل ونفاذ الصبر وتهلك. هناك تواضع يكسبه الإنسان بجهاداته: بأن يعرف قصوره ويلوم نفسه على أخطائه وألاّ يسمح لنفسه بأن يدين الآخرين. وهناك تواضع يصل إليه الإنسان بإرشاد من الله من خلال الأمور التي تحدث له: بأن يسمح الله بأن يختبر الإنسان الآلام والإذلال والحرمان.
الشهوة تبدو وكأنها رغبة والرغبة، أي الإرادة التي تمتد ما وراء الإرادة الطبيعية، عاطفية ولا يحكمها القانون والاعتدال. هناك إذن العديد من أشكال الشهوات، مثل العديد من أشكال الخطيئة … لا تقترب الشهوة من الروح بشكلعدو حربي بل بشكل صديق أو خادم لطيف. إنها تقترح بعض أنواع المتعة الجيدة أو الوهمية. ولكن ما هذه سوى خدعة عبرها يسعى الصياد الخبيث جاهداً ليضلّ ويقبض على الروح الفقيرة. تذكّرْ هذا عندما تغريك الشهوة.
الخطيئة هي مرض أُدخِلَت إلى الطبيعة البشرية. الانطباع الخاطئ واللذة الضارة يتركان أثراً في النفس والجسد، يصبح أكثر عمقاً مع تكرار السلوكات الخاطئة والذي تشكّل ميلاً للعمل الخاطئ ونوعاً من العطش إلى الخطيئة. ولذلك، كما يحرق أحياناً طبيب الجسد القروح التي أصابت الجسم، أو يفصلها بالحديد، بنفس الطريقة يستخدم طبيبُ النفوس أدوات المحَن لكي ينتزع جذور الخطايا ويمحو آثارها، وبنار المعاناة يحرق العدوى النزوع نحو المُتَع الخاطئة.
ترجمة أنطوان ملكي
التراث الأرثوذكسي

 

 

 

 

 

من ثمار القديس فيلاريت موسكو