...

أيُّ إلهٍ نَعْبُد؟

أيُّ إلهٍ نَعْبُد؟

 

 

أيُّ إلهٍ نَعْبُد؟

 

نُطِلُّ اليوم على شهر أيلول الَّذي يُعْتَبَرُ بدء السَّنة الكنسيَّة. وفي مطلعه نعيِّد لقدِّيسٍ من أهمِّ قدِّيسي بلادنا هو القدِّيس سمعان العاموديّ، الَّذي عاش في القرن الرَّابِع الميلاديّ بقرب مدينة حلب الشَّهباء في سوريا. ماذا يعني هذا؟

في خدمة رأس السَّنة الكنسيَّة نطلب إلى الرَّبِّ أن يقدِّس كلَّ عملٍ نقومُ به ليكون ذبيحةً شُكْرِيَّة لله. إذ إنَّ كلّ شيء منه وله. ونطلب منه أيضًا أن تكون خليقته مجالًا لنعمته، كي نرفع بها المجد لاسمه القدُّوس.

أمَّا القدِّيس سمعان العاموديّ الَّذي ذاع صيته، فأتاه النَّاس من كلِّ صوبٍ ليتبرَّكُوا به ويسترشِدُوا منه. يا لها من مفارَقَة غريبَة! القدِّيس سمعان هجر العالم وكلّ بهرجته وضجَّته ليسمع صوت الله فيه. هجر المدنيَّة ليُذَلِّلَ الحواجز الَّتي تفصله عن الله. هجر المدنيَّة وما فيها من استقرار ورفاهِيَة. هجر الكلام النَّاعِم والمُجَامَلات. هجر كلّ شيء ليسكن صحراء مُقْفِرَة ليس فيها نظام وقوانين بشريَّة، ليس فيها أمان المدنيَّة والتَّطوُّر المعهود. اِنْطَلَقَ إلى مكانٍ بِكْرٍ افتكرَ أنَّ نظامَه هو الله، ولكنَّه إله ليس من صنع البشر، إله لا يُحَلِّلُ القتل والذَّبح، إله ليس من صنع أيادٍ بشريَّة دهريَّة أَلَّهَهَا الإنسان بأنانيَّته ونظرته من خلالها إلى السَّعادة والفرح والآخَر.

قدِّيسنا ذهب إلى القَفْرِ حيث لم تدنِّسْهُ يدٌ وأفكارٌ تَسَلَّطَ عليها السُّقوط، فحقَّقَ المعجِزَة إذ تَحَوَّلَ القَفْرُ إلى مدينة، لا بل إلى حياة تضُجُّ بالهدوء والرَّاحة والفرح، مدينة يقصدها كلّ من أَتْعَبَتْهُ الحياة بهمومها، مدينة سيِّدها الله، أي المحبَّة المُحَرَّكَة من الرُّوح القدس الَّذي هو روح الحقّ، روح السَّلام، روح الوداعَة، روح الفهم.
 

قدِّيسنا إنسان بسيط امتَهَنَ رعاية الماشِيَة. لفتَهُ قول الرَّبِّ في التَّطويبات، وتأمَّل فيها، فكان تحقيقها هدفه. لم ينطلق من الخارج الى الدَّاخِل، إنَّما من الدَّاخِل إلى الخارج. أي عالج، أوَّلًا، ذاته صومًا وصلاةً ونسكًا، فاستحَقَّ التَّطويب. هجر ضجَّة النَّاس، ولكنَّه حملهم في قلبه وصلاته فعاد إليهم مُرشِدًا ومعلِّمًا، فَصَحَّ فيه قول الرَّبِّ: “…أمَّا من يعمل ويعلِّم فهو الأعظم في ملكوت الله”.

هذا كلّه يطرح علينا السُّؤال، في هذه الأيَّام الصَّعبَة: إلى أيِّ حَدٍّ استولى علينا الدَّهر فأصبحنا له دهريِّين وأصبح إلهنا من هذا الدَّهر، أي أصبحت لغة القتل لغتنا: أقتلُكَ لأَعيش. وأصبح الإنسان رقمًا لا اِسْمَ له ولا قيمة؟ 

القدّيس سمعان العاموديّ يضعنا أيضًا أمام تَحَدٍّ: ما هو قانوننا؟ أهو مستمَدٌّ من الله أم من النَّاس؟ هل الله هو السَّيِّد أم نحن؟ هل الله هو الآمِر أم نحن؟ وهو الَّذي قال لإبراهيم: “دع اسحق ابنك”.

“الذَّبيحة لله روح منسحق”، “القلب المتخشِّع المتواضِع لا يرذله الله”، و”الله يُسجَدُ له بالرُّوح والحقّ”.

   أَلَا جَعَلَنَا الله في مطلع هذه السَّنة أبناء حقيقيِّين له.

الأسقف غطَّاس (هزيم)

عن “الكرمة”، العدد 35، الأحد  1 أيلول  2013

 

 

 

 

 

 

أيُّ إلهٍ نَعْبُد؟