...

ميزان المؤمن في استخدام محبّته وحرّيّته

العالم مليء بالنيّات الصالحة. وقد نتحلّى بأجملها وأبهاها، ولكن إن لم نترجمها أفعالًا على أرض الواقع ستبقى حبرًا على ورق. والنيّات الصالحة تحمل في نفسها بذار المحبّة، فإن لم تقع هذه البذار في الأرض الصالحة، فكيف سيتسنّى لها أن تنمو وتعطي ثمارًا؟

ما يقتل النيّات الصالحة هي الأنانيّة المعشّشة فينا والتي تدفعنا إلى خيارات تتوافق مع نزواتنا وشهواتنا، وليس إلى اختيار أفعال المحبّة الصادقة. مَن منّا لا يعرف معنى اللامبالاة بالآخر وبحاجاته، والتي قد تتطوّر إلى ازدرائه ولربّما إلى بغضه، لأنّه لا ينتمي إلى ما ننتمي إليه، سواء على الصعيد العائليّ أو الدينيّ أو السياسيّ أو الوطنيّ، أو حتّى إلى الاقتتال بدافع تأمين حاجاتنا على حساب حاجات الآخر.

وما يخمد فينا بريق النيّات الصالحة هي خياراتنا الخاطئة. فحسن استخدام حرّيّتنا ينمّي فينا طاقة المحبّة وروح الخدمة والمسؤوليّة تجاه الآخرين، بحال أخذنا كلمة الله على محمل الجدّ، وتعهّدنا أن نعيش إيماننا بصدق. لا شكّ في أنّ برود المحبّة فينا يفتح المجال لكلّ آفة وعلّة.

لذا يضعنا إنجيل الدينونة وجهًا بوجه مع أفعالنا، أفعالنا التي هي وليدة المحبّة المزروعة في أرض قريبنا الطيّبة والصالحة والتي تثمر إلى أضعاف. ويضعنا أيضًا أمام الغربال الذي به نقوّم استخدام طاقتنا وحرّيّتنا ووقتنا، وكيفيّة النظر إلى حاجاتنا وحاجات الآخرين انطلاقًا من عيشنا لإيماننا.

في مثل الدينونة، وحّد يسوع نفسه بالضعفاء، فدعاهم «إخوتي هؤلاء الصغار». فإن كنّا متّحدين به بالإيمان وشركة الأسرار المقدّسة، بدا طبيعيًّا أن نتمثّل إرادته ونحمل فكره (١كورنثوس ٢: ١٦) ونقتدي بمثاله (١كورنثوس ١١: ١). فقد تضامن يسوع مع العطاش والجياع والعراة والمسجونين إلى درجة جعلته يقبل كلّ فعل محبّة تجاه هؤلاء وكأنّه موجّه إليه شخصيًّا: «بما أنّكم فعلتموه بأحد إخوتي هؤلاء الأصاغر فبي فعلتم» (متّى ٢٥: ٤٠).

كلّنا يتذكّر حديث بولس الرسول عن «الإيمان الفاعل بالمحبّة» (غلاطية ٥: ٦). فهل تشكّل هذه الحقيقة المبدأ الذي به يمكن للمؤمن أن يزن به كيفيّة استخدام محبّته وحرّيّته؟ هلّا تبنّيناها وخطونا خطوة في هذا الاتّجاه، خصوصًا في ظروفنا الراهنة، سيّما وأنّها أظهرت الكثير من «الخراف» الذين التفتوا إلى حاجات قريبهم وسعوا إلى تلبيتها، كما أفرزت أيضًا عددًا من «الجداء» الذين يحتاجون إلى إعادة نظر جذريّة في مقاربتهم واقعنا الإنسانيّ.

نعم، إنجيل الدينونة يدعونا إلى الخروج من منطقة الأمان التي نحصّن بها أنفسنا تجاه الواقع الصعب، إلى رحاب العمل على توسيع منطقة الأمان لسوانا، فنكون معًا في معيّة حياة، جنبًا إلى جنب، بتضامن واضح، وانحياز كلّيّ لصالح المحبّة، العاملة والمنطلقة من إيماننا بيسوع، وعملًا بوصيّته بأن نحبّ إخوته الصغار. أَوَليس على هذا النحو نمجّد الآب، فيمجّدنا هو بدوره؟ عسانا نسمعه يقول لنا: «تعالوا يا مبارَكي أبي رِثُوا الملكوت المعدّ لكم منذ تأسيس العالم» (متّى ٢٥: ٣٤).

+ سلوان متروبوليت جبيل والبترون وما يليهما (جبل لبنان)

الرسالة: ١كورنثوس ٨: ٨-١٣، ٩: ١-٢Αποστολικη Α.Κορ. 8: 8-13, 9:1-2

يا إخوة إنّ الطعام لا يُقرّبنا إلى الله، لأنَّا إن أكلنا لا نزيد وإن لم نأكل لا ننقص. ولكن انظروا ألّا يكون سلطانكم هذا معثرة للضعـفاء، لأنّه إن رآك أحدٌ، يا من له العلْم، متّكئًا في بيت الأوثان، أفلا يتقوّى ضميرُه وهو ضعيفٌ على أكل ذبائح الأوثان، فيَهلك بسبب علْمك الأخُ الضعيف الذي مات المسيحُ لأجله. وهكذا إذ تُخطئون إلى الإخوة وتجرحون ضمائرهم وهي ضعيفة إنّما تُخطئون إلى المسيح. فلذلك إن كان الطعام يُشكّكُ أخي فلا آكل لحمًا إلى الأبد لئلّا أُشكّك أخي. ألستُ أنا رسولًا؟ ألستُ أنا حرًّا؟ أما رأيتُ يسوع المسيح ربّنا؟ ألستم أنتم عملي في الربّ؟ وإن لم أكن رسولًا إلى آخرين فإنّي رسول إليكم، لأنّ خاتم رسالتي هو أنتم في الربّ.

الإنجيل: متّى ٢٥: ٣١-٤٦Ευαγγελοκο Μτ. 25:31-46

قال الربّ: متى جاء ابنُ البشر في مجده وجميعُ الملائكة القدّيسين معه، فحينئذ يجلس على عرش مجده، وتُجمع إليه كلّ الأمم، فيُميّز بعضَهم من بعض كما يميّز الراعي الخراف من الجداء، ويُقيم الخراف عن يمينه والجداء عن يساره. حينئذ يقول الملكُ للذين عن يمينه: تعالوا يا مبارَكي أبي رثوا المُلْك المُعدّ لكم منذ إنشاء العالم لأنّي جُعتُ فأطعمتموني وعطشتُ فسقيتموني، وكنتُ غريبًا فآويتموني وعريانًا فكسوتموني، ومريضًا فعُدتموني ومحبوسًا فأَتيتم إليّ. حينئذ يُجيبه الصدّيقون قائلين: يا ربّ متى رأيناك جائعًا فأطعمناك أو عطشانَ فسقيناك، ومتى رأيناك غريبًا فآويناك أو عريانًا فكسوناك، ومتى رأيناك مريضًا أو محبوسًا فأتينا إليك؟ فيُجيب الملك ويقول لهم: الحقّ أقول لكم بما أنّكم فعلتم ذلـك بأحد إخوتي هؤلاء الصغار فبي فعلتموه. حينئذ يقول أيضًا للذين عن يساره: اذهبوا عنّي يا ملاعين إلى النار الأبديّة المُعدّة لإبليس وملائكته، لأنّي جعتُ فلم تُطعموني وعطشتُ فلم تسقوني وكنتُ غريبًا فلم تأووني، وعريانًا فلم تكسوني ومريضًا ومحبوسًا فلم تزوروني. حينئذ يُجيبونه هم أيضًا قائلين: يا ربّ متى رأيناك جائعًا أو عطشانَ أو غريبًا أو عريانًا أو مريضًا أو محبوسًا ولم نخدمك؟ حينئذ يجيبهم قائلًا: الحقّ أقول لكم بما أنّكم لم تفعلوا ذلك بأحد هؤلاء الصغار فبي لم تفعلوه. فيذهب هؤلاء إلى العذاب الأبديّ، والصدّيقون إلى الحياة الابديّة.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

ميزان المؤمن في استخدام محبّته وحرّيّته