...

شرح القداس الإلهي

 

 

الجزء 4
القدسات للقديسين:
بعد تلاوة الصلاة الربية يعطينا الكاهن السلام لكي نكون مستعدين للاقتراب من الأسرار المقدسة، ويصلي كي تكون هذه المقدسات “لخيرنا جميعاً بحسب حاجة كل واحد منا … ولشفاء المرضى” الله وحده يعلم حاجة كل واحد منا (متى 6:8) وهو وحده يعرف خيرنا وما في قلوبنا. ينهي الكاهن صلاته باعلان “بنعمة ورأفات ابنك الوحيد ومحبته للبشر الذي أنت مبارك معه ومع روحك الكلي قدسه الصالح والصانع الحياة…” يسجد الكاهن أمام القرابين ثلاث مرات قائلاً “با الله اغفر لي أنا الخاطئ وارحمني”، لأنه على وشك أن يحمل الرب بيديه. ثم يرفع لكاهن الحمل بيديه ويعلن: “لنصغ القدسات للقديسين”. دعوة لنا لأن نتيقظ ونكون حذرين. فالقدسات، أي القرابين المتحولة إلى جسد الرب ودمه، يستحقها القديسون فقط. لكن هذا الكلام موجه لنا نحن المجتمعون حول مائدة الرب في الكنيسة، حول الذين يسعون للخلاص من خطاياهم ويطلبون رحمة الرب ويثق بأن الرب”. وتأتي صلوات الاستعداد للمناولة ليعلن فيها المؤمن عدم استحقاقه واتكاله على الرب ورحمته وثقته بمحبة الرب “الذي يريد أن جميع الناس يخلصون وإلى معرفة الحق يقبلون” (1تيمو4:2).
المناولة:
يرفع الكاهن الحمل الجسد المقدس عن الصينية ويقول: “القدسات للقديسين” الحمل الذي رفعه الكاهن بيديه هو جسد الرب الكريم، وهو القدسات ولا شيء أقدس منه. ولكن القدسات لا يجوز التفريط بها ولا تعطى إلا لمن يستحقها. هذا الكلام موجه إلينا جميعاً لأننا وبحسب تسمية بولس الرسول ندعى قديسين لأننا جميعاً أعضاء جسد المسيح في الكنيسة الواحدة.
“بخوف الله وإيمان ومحبة تقدموا”
هنا قمة القداس الإلهي، هدف القداس الإلهي هو المناولة، وهنا شروط الدعوة خوف الله وإيمان به ومحبة الله والقريب.
فخوف الله أي أن نعي تماماً أن الله هو الخالق وهو الديان الحنون والعادل، ويضاف إلى ذلك الإيمان المستقيم الرأي إيماناً بالله والثالوث وعمل الخلاص، وأخيراً المحبة؛ محبة الله والقريب ومحبة الخلاص لأنفسنا وللآخرين.
المناولة تجعلنا متحدين مع يسوع المسيح، ونصير كذلك واحداً مع المشتركين من ذات الكأس. لأن المسيح يسوع هو من يوحدنا مع بعضنا البعض بالحقيقة. ونؤكد أيضاً أننا في المناولة نثبت في المسيح “من ياكل جسدي ويشرب دمي فله الحياة الأبدية.. يثبت فيّ وانا فيه” (يوحنا6: 54-56). المناولة هي الخبز السماوي وغذاء حياتنا، ولهذا يوصي الآباء القديسون بالمناولة المتواترة.
في مقابل هذا نشدد ونؤكد على أهمية الاستعداد للمناولة بشكل جيد؛ الصلاة (صلاة قبل المناولة أو “المطالبسي”) أولاً تدخلنا في عمق العلاقة المستمرة مع الله، وثانياً الصوم والانقطاع عن الطعام منذ الليلة التي تسبق القداس الإلهي، الصوم هو تعبير عن أن لا الطعام ولا الشراب يلهينا عن الشركة مع الرب يسوع، الذي نعتبره الإله الحقيقي ولا يلهينا عنه شيء، بالإضافة لكونه نوع من الجهاد الروحي لاستقبال يسوع الإله في قلوبنا. أخيراً نهيأ أنفسنا للمناولة عبر طلب المغفرة من الله والصفح عن كل من أخطأ إلينا والتقرب بطلب الغفران لكل من أخطأنا إليه. كيف تتحقق غاية المناولة بالشركة مع المسيح الإله ومع الآخرين إن بقي في قلوبنا شيء من الحقد أو الكراهية على الآخر كائناً من كان؟! الكأس الواحدة هي زواج عضوي برأس الجسد (المسيح) واقتران حقيقي بكل أعضاء الجسد (المؤمنين في الكنيسة)، المناولة هي دعوة لأن نقترن مع بعضنا البعض بعلاقة تربطنا جميعاً بالسيد له المجد.
الانتهاء من المناولة:
عند الانتهاء من مناولة الشعب يقف الكاهن في الباب الملوكي حاملاً الكأس المقدسة ويقول للشعب: “هذه لامست شفاهكم فتنزع آثامكم”. تذكرنا هذه العبارة بما قاله ملاك الرب لأشعياء النبي : “إن هذه مست شفتيك فانتزع اثمك وكفر عن خطيئتك” (اشعياء 6: 7). عند المناولة نأخذ الججمرة الإلهية الحاملة الحياة التي تطهر الجميع وتحرق غير المستحقين. يسوع هو وحده القادر على محو خطايانا وهو الذي قدم نفسه كفارة خطايانا على الصليب.
بعد المناولة يبارك الكاهن الشعب بالكأس قائلاً: “خلص يا رب شعبك وبارك ميراثك”. يدعو الكاهن المؤمنين شعب الله. نصير من شعب الله عندما نتحد مع يسوع بالمناولة ونصير أخوة له، أي نصير كلنا أبناء الله ونشكل جسد المسيح: “نحن الكثيرون أصبحنا جسداً واحداً لأننا أكلنا الخبز الواحد” (1كو17:10). ثم يدخل الكاهن إلى الهيكل ويضع في الكأس المقدسة ما تبقى من القرابين الموجودة على الصينية وهي الأجزاء التي تمثل العذراء والقديسين … ويقول اغسل يا رب بدمك الكريم خطايا عبيدك المذكورين ههنا بشفاعة والدة الإله وجميع قديسيك”. وحده الرب قادر أن يمحو الخطايا. ذبيحتنا هنا هي استمرار لذبيحة الصليب التي بها محا يسوع خطايانا وسمّرها على الصليب.
“قد نظرنا النور الحقيقي” هذا ما يرتله المؤمنون فيسوع المسيح هو النور والحق ونحن عبر المناولة والاتحاد به نصير في النور، لا بل نصير أبناء للنور والحق ويسكن فينا الروح القدس الذي يحيينا ويجعلنا هياكل له. عندها نسجد للثالوث القدوس بحقٍ.
ثم يبخر الكاهن الكأس قائلاً: “ارتفع اللهم إلى السماوات وعلى كل الأرض مجدك”. هذه صورة لصعود المسيح إلى السماء. هذا الصعود يجري في كل مؤمن بالمناولة بصورة سرية إذ أنه باتحاده بالمسيح أصبح جالساً معه سرياً عن يمين الآب ومستقراً في قلب الله. وبعدها ينقل الكاهن القرابين إلى المذبح ويتلو طلبة الشكر، ونحن نشكر الرب على هذه النعمة التي أعطانا إياها. نشكره لأنه منحنا موهبة التقديس بدمه الكريم.
بعد المناولة وإعادة القرابين إلى المذبح يعلن الكاهن: “لنخرج بسلام..”. يعلن الكاهن نهاية القداس الإلهي ويصرف المؤمنين بسلام. يصرفهم حاملين سلام الرب في قلوبهم وهمم يخرجون إلى العالم، إلى حياتهم اليومية ليشهدوا فيها عمّا شاهدوه ونظروه وعاشوه في القداس الإلهي وليتمموا في هذه الحياة دعوتهم. في بادية القداس الإلهي دعانا الكاهن لأن ندخل الملكوت والآن، في نهايته، يدعونا لأن نعود إلى هذا العالم لنشهد للملكوت ونحيا الملكوت في هذا العالم. هذه هي دعوتنا وعلينا أن نتممها. خروجنا من الكنيسة يشبه خروج التلاميذ إلى البشارة بعد صعود المخلص إلى السماء.
ثم يخرج الكاهن ويقف أمام أيقونة السيد ويتلو هذه الصلاة: “يا مبارك مباركيك يا رب ومقدس المتكلين عليك.. ” يضرع إلى الله أن يحفظ شعبه ويباركه ويقدسه… ويجيب الشعب بالنشيد: “ليكن اسم الرب مباركاً..”. الاسم شيء مهم، لأنه يستدعي صاحبه، وهكذا نبارك الرب عبر مباركتنا اسمه.
أخيراً قبل انطلاقنا يمنحنا الكاهن بركة الله، لأنه بدون بركة الرب ونعمته ورحمته لا نستطيع عمل شيء ولا الاستمرار في دعوتنا. ثم يتضرع إلى المسيح القائم من بين الأموات بشفاعات والدة الإله وبقوة الصليب الكريم و.. لقد كنا في الملكوت ونحن خارجون إلى العالم والله سوف يعطينا خيرات العالم باتكالنا عليه وطلبنا لملكوته أولاً.

المتروبوليت بولس يازجي
المصدر: www.orthodoxonline.org

 

 

شرح القداس الإلهي