...

الخصائص الجوهريّة للكنيسة الأرثوذكسيّة

الخصائص الجوهريّة للكنيسة الأرثوذكسيّة

 

 

 الخصائص الجوهريّة للكنيسة الأرثوذكسيّة

 

 

إن الفكرة القائلة بأن الكنيسة الأرثوذكسية متمسكة بمبادئ الكنيسة القديمة الجامعة غير المتجزئة وتقواها، هي المبدأ المركزي في هذه الكنيسة. وهذه الفكرة المركزية في الأرثوذكسية تؤلف خاصتها الأساسية وهي من أهم خواصها. كما أنها في الوقت نفسه فيصل حقيقتها ومحكها، ما دامت هذه الكنيسة تعتقد بأنها هي استمرار الكنيسة الجامعة القديمة استمراراً حقيقياً شرعياً.

لذلك، إلى جانب محاولتنا التحري عن مبادئ الكنيسة الأرثوذكسية وخصائصها الرئيسية والتثبت منها، سنحاول كذلك أن نظهر اتفاقها مع مبادئ الكنيسة القديمة غير المتجزئة، الأساسية، وخصائصها الجوهرية ليتضح مدى صحة إدعاء كنيستنا بعلاقتها بتلك الكنيسة، وليبرهَن بالتالي عما إذا كان مضمونها يتفق واسمها “أرثوذكسية” (1) أي مستقيمة الرأي.

الأرثوذكسية كنيسة التقليد

إن مبدأ الكنيسة الأرثوذكسية الأساسي الأول، هو تمسكها الدائم بالتقليد الشريف، الذي ورثته عن الكنيسة القديمة الجامعة. فكنيستنا هي في الواقع كنيسة التقليد. وهذا هو أحد ألقاب الشرف التي تملكها. غير أن تمسكها هذا أضحى السبب الأكبر في وصف بعض اللاهوتيين غير الأرثوذكسيين لها أنها “مومياء متحجرة“.

ولما كان التقليد الشريف مصدراً للإيمان المسيحي، صار لزاماً أن يعتبر من خصائصه الجوهرية “عدم قابليته للتغيير والتبديل”، شأنه شأن الكتاب المقدس، المصدر الثاني للإيمان. فإن عدم القابلية للتغيير من خصائصه الجوهرية أيضاً.

بيد أن التقليد الشريف لا يُعّد في كنيستنا قيمة جامدة، كما يزعم بعض اللاهوتيين غير الأرثوذكسيين، وإنما هو فيها قيمة ذات فعالية “ديناميّة“.

والإيمان بالتقليد الشريف ليس معناه مجرد الإخلاص لعصور قديمة ولسلطة خارجية، وإنما هو ارتباط حي بملء اختبار الماضي الكنسي (2).

إن التقليد الشريف هو في كنيستنا كالكتاب المقدس “كلام الله” وماء ينبع إلى حياة أبدية (يوحنا 14:4). هكذا كان في الكنيسة القديمة، وهكذا أظهرته كنيستنا الأرثوذكسية وأفصحت عنه بحيويتها الخصبة، التي لا تنفذ، طوال أربعة قرون وهي ترزح في البلقان تحت نيران الاستعباد العثماني، وفي السنوات الأخيرة في ظل النظام البلشفي في روسيا.

وإذا كان في الأرثوذكسية بعض الجمود، فذلك يعود إلى عوامل تاريخية لا تمتّ إلى طبيعتها بسبب، ولا ترجع إلى تمسكها الحي بالتقليد الشريف. نعم إن كنيستنا ظلت جامدة نوعاً ما، ولكنها لم تمت ولم تتحجّر. وهي إلى الآن ما زالت حية ومحيية. وكيف لا تكون وهي التي أنتجت في عهود الأمن والسلم عدداً وافراً من اللاهوتيين الحكماء والمسيحيين الأتقياء، هذا إلى جانب تنشئتها لفريق كبير من الشهداء والمعترفين وغيرهم من القديسين؟

ويحمل عادة بعض اللاهوتيين الأجانب على الأرثوذكسية لتمسكها بالتقليد ويغضّون أبصارهم عن هذه الحقيقة وهي أن التمسك بالتقليد مبدأ أساسي وخاصة جوهرية لكنيسة المسيح منذ تأسيسها. وعدا هذا فإن المعلوم أن المسيحية أخذت فكرة التقليد عن اليهودية، وأن الكنيسة ترتكز على التقليد. فالإنجيل سلمَّه الرب يسوع لرسله الأتقياء شفوياً، والرسل أكثر ما اعتمدوا عليه في تسليمهم الإنجيل لخلفائهم إنما كان بهذه الطريقة عينها “أنظر الرسالة الأولى إلى أهل كورنثوس لاقليمس أسقف روميه”. ومن البشيرين الأربعة استند اثنان منهم إلى التقليد المباشر “النقل المباشر”، أما الآخران فاستندا إلى التقليد بواسطة.

ويقول لوقا الإنجيلي في ديباجة الإنجيل الذي كتبه “إذ كان كثيرون قد أخذوا بتأليف قصة في الأمور المتيقنة عندنا – كما سلمها إلينا – الذين كانوا منذ البدء معاينين وخداماً للكلمة..” (لوقا 1:1- 2). أما “تلمذة الأمم” التي تمت حسب وصية الرب (متى29:23) فقد حدثت على الأكثر بالكرازة الشفوية. ومن المعلوم أن الرسل كانوا يعلقون أهمية كبرى على التقليد. قال الرسول بولس مراراً ما يلي:

فاثبتوا إذاً أيها الإخوة وتمسكوا بالتقاليد (3) التي تعلمتموها سواء كان بالكلام أم برسالتنا” (تسالونيكي الثانية 15:2).

وتحفظون التقاليد كما سلمتها إليكم” (كورنثوس الأولى 2:11).

لأني تسلمت من الرب ما سلمتكم أيضاً” (كورنثوس الأولى23:11).

إن كان أحد يبشركم بغير ما تسلَّمتم فليكن أناثيما” (غلاطية 9:1).

وما سمعته مني بشهود كثيرين أودعه أناساً أمناء يكونون أكفاء أن يعلِّموا آخرين أيضاً” (تيموثاوس الثانية 2:2).

وأما أنت فاثبت على ما تعلمت وأيقنت عارفاً ممن تعلمت” (تيموثاوس الثانية 4:3).

ومن المعلوم أن الكلام الإلهي المُسلَّم شفوياً كان إلى جانب الكلام الإلهي المكتوب ينقل من جيل إلى جيل في الكنيسة، ويكرَّم إكرام الكلام الإلهي المكتوب. وهذا النقل أو التقليد الشريف المسمَّى تقليداً رسولياً يبرز من عهد ظهور البدع في الكنيسة وما بعده. فإن المحامين عن تعاليم الكنيسة الصحيحة كانوا يسندون دفاعهم إلى التقليد الشريف وإلى قانون الكتاب المقدس. ومن أجدر الناس ذكراً وأصلحهم مثلاً في المحافظة على التقليد الرسولي إيريناوس المعروف برجل التقليد الممتاز. وغير هذا فإن التقليد الشريف هو أهم الربط الوثيقة التي تربط الكنيسة المجنَّدة المجاهدة بالكنيسة الظافرة بصورة دائمة وبدون انقطاع.

وللكنيسة الأرثوذكسية مبدأ أساسي آخر، من الناحية الشكلية، هو تلازم السلطة والحرية، تلازماً متناغماً، متوازناً، كما كان في الكنيسة القديمة.

الأرثوذكسية كنيسة التجسد والتأليه

أما من جهة “المضمون” فيمكن اعتبار الإلحاح في التنبيه إلى تجسد كلمة الله، وبنوع خاص، ألوهية المسيح، مبدءاً أساسياً للأرثوذكسية. ويناسب هذا التعليم تعليمها أيضاً عن “تأليه الإنسان” (Théosis) كخاصة رئيسية لكنيستنا. وقد أصبح تلازم هذين التعليمين عن تجسد الكلمة – ألوهية المسيح، وتأليه الإنسان، مألوفاً في الكنيسة الأرثوذكسية. من عهد أثناسيوس الكبير بطريرك الإسكندرية وبتأثيره. وفي هذا ما يفسر، في نظرنا، اعتبار “فصح الرب” “عيد الأعياد وموسم المواسم، الذي به المسيح الإله نقلنا من الموت إلى الحياة، ومن الأرض إلى السماء” وبآلامه ألبس المائت جمال عدم الفساد (4).

ولقد اعتبر البعض أن إلحاح كنيستنا الأرثوذكسية في إظهار عقيدة (التجسد) وألوهية المسيح، بنوع خاص، يشكل نقطة ضعف فيها. بيد أن الذين يعتبرون هذا نقصاً ينسون أن هذا النهج تعود نشأته رأساً إلى مسيحية القرون الأولى، وإلى الرسل أنفسهم، الذين كانوا يعبدون يسوع رباً وإلهاً.

ومن المعروف أيضاً أن الكنيسة القديمة الجامعة كلها – ليس في الشرق فقط – ومن عهد ظهور البدع الآريوسية، بنوع خاص، وما بعده، ازداد فيها الإلحاح في إظهار ألوهية الرب يسوع. على أن هذا ليس معناه تغاضياً من جانب الكنيسة الأرثوذكسية في تقدير الناحية الإنسانية في شخصية يسوع المسيح.

ومن الحق أن يقال، إن إلحاح كنيستنا في إبراز تعليمها عن عقيدة “تأليه الإنسان” بواسطة كلمة الله المتجسد، إلى جانب إيمانها بألوهية السيد المسيح والمرتبط به ارتباطاً وثيقاً، هو تراث ثمين ورثته عن الكنيسة القديمة الجامعة، على الأقل من إيريناوس الذي علَّم قائلاً: “إن الله الكلمة صار كما نحن ليجعلنا كما هو” (أنظر كتابه ضد الهرطقات، في المقدمة). وهذه الفكرة أيضاً كانت التعليم المحبوب لدى القديس أثناسيوس الكبير بطريرك الإسكندرية. فقد قال: “إن الكلمة تأنس، لكي نؤلَّه نحن أيضا” (أنظر كتابه في التجسد وكتابه ضد الآريوسيين). ونجد هذه الفكرة عينها يعيدها كثيرون من آباء الكنيسة، نذكر منهم غريغوريوس اللاهوتي، وغريغوريوس النيصصي، ويوحنا الدمشقي، ونقولاوس ميثونيس. وقد وردت أيضاً في ترانيم مختلفة في كنيستنا، وبرزت في اللاهوت الأرثوذكسي الحديث.

طابع الأرثوذكسية الصوفي (Mystique)

ومن خصائص الكنيسة الأرثوذكسية من حيث “المضمون” تنبيهها إلى إظهار “وقتية خيرات هذا العالم وزوالها” بقصد توجيه أبصار المؤمنين إلى الحياة الأبدية.

ومثل هذا يقال في حفظها – المتصل بهذا التعليم – للفكرة الأخروية (Eschatologie) بصورة نشأتها الأولى. فإذا وضعنا هذا إلى جانب إلحاح كنيستنا في تعليمها عن تأليه الإنسان في المسيح، نجد أنها تلوّن عبادتها وكل ما يتعلق بالإفصاح عن تقواها من الشعائر والطقوس بلون تقشفي صوفي. بيد أن هذه النزعة في الأرثوذكسية، التي هي حقيقة لا ريب فيها، لا تبرز بأي حال اعتبارها، في نظر اللاهوتيين الأجانب، إنها مساوية لتلك النزعة الزهدية المغالية، التي تدفع إلى عدم الاكتراث بأمور هذا العالم وبالعلم والحضارة بنوع أخص، ولا تبرز أيضاً زعمهم الخاطئ القائل بأن هذه الميزة في الأرثوذكسية كانت السبب الرئيسي في خلوها من نشاط اجتماعي على شيء من النمو.

كل هذه المزاعم تكشف عن عجز في تفسير الحقيقة تفسيراً صحيحاً، ينطوي على جهل لتاريخ كنيستنا. فإن إلحاح كنيستنا في توجيه الأبصار نحو العالم الآخر والحياة الخالدة، وطابعها العالي على العالم، يتفق والمسيحية الأولى منذ نشأتها. وللدلالة على ذلك، نكتفي بذكر بعض فقرات من العهد الجديد والأدب المسيحي القديم. قال الرب: “لا تكنزوا لكم كنوزاً على الأرض… بل اكنزوا لكم كنزاً في السماء… حيث يكون كنزك فهناك قلبك” (متى 19:6- 21). وقال الرسول بولس: “فإن سيرتنا نحن هي في السموات” (فيليبي 20:3). وفي الرسالة إلى العبرانيين: “لأنه ليس لنا هنا مدينة باقية، لكننا نطلب الآتية” (عبرانيين14:13). وقد ورد في الرسالة إلى ذيوغنيتوس هذه الأقوال النموذجية: “إن المسيحيين يقطنون في أوطان لهم، ولكن كنزلاء، فهم يشاركون الجميع، كمواطنين، ويتحملون كل شيء كغرباء. وكل وطن غريب هو لهم، وكل وطن لهم هو غريب عنهم” (الرسالة إلى ذيوغنيتوس 5:5).

ويتصل أيضاً بما ذكر، الطابع التقشفي الصوفي، الذي يسود الكنيسة القديمة منذ تأسيسها، وتعود أصوله إلى أسفار العهد الجديد. فقد قال الرب يسوع: “يوجد خصيان خصوا أنفسهم لأجل ملكوت السموات” (متى12:19). وقال الرسول بولس: “إني أقمع جسدي واستعبده” (كورنثوس الأولى 27:9). ونراه يفضل البتولية على الزواج (كورنثوس الأولى 7). ونرى الكنيسة القديمة تكره الزواج الثاني، ونراها تدخل الصوم فيها من عهد باكر جداً الخ

أما الطابع الصوفي، الذي تشارك فيه كنيستنا الأرثوذكسية الكنيسة القديمة، فنكتفي بأن ننبه القارئ إلى رسائل الرسول بولس في هذا الموضوع، وإلى رسالته إلى أهل فيليبي بنوع خاص، وغير هذا. فإن الروح الصوفية تسود أسفار العهد الجديد كلها.

ويمكن أن يلاحظ زيادة على هذا، أن الطابع الصوفي الأسراري الذي لم يصدّ الكنيسة القديمة عن نشاطها الاجتماعي المعروف والمجهول وعن خدماتها القيّمة للعلم والمدنية، لم يعق أيضاً الكنيسة الأرثوذكسية عن النشاط. فقد قدّمت لشعوبها إلى جانب خدماتها الدينية العظيمة، خدمات اجتماعية وتمدينية وقومية جليلة، لا يمكن حصرها وتقديرها، ولهذا يسميها شعوبها بحق “أمّاً” لهم.

الأرثوذكسية كنيسة الاكليروس والعلمانيين

ومن مبادئ كنيستنا الأرثوذكسية الأساسية، وخصائصها الرئيسية، من حيث (المضمون)، مبدأ الاعتراف بما يخص العلمانيين في الحياة الكنسية كلها من حقوق. وهي تأخذ بهذا المبدأ بدون أن تنقص من امتياز مركز الاكليروس في جسم الكنيسة، ومركز الأساقفة فيها بنوع خاص، فتحتفظ بالطابع الأسقفي الذي ورثته عن كنيسة القرن الأول. وهنا يجدر بنا التنبيه إلى أن الشعب الأرثوذكسي كله يُعتبر بأنه هو المحافظ على وديعة الإيمان الأرثوذكسي. وقد ورد في منشور بطاركة الشرق الأرثوذكسيين سنة 1848: “إن حافظ الأرثوذكسية هو جسم الكنيسة، أي إنه الشعب الأرثوذكسي”. وعلى هذا فالشعب كله هو جسم الكنيسة، وصوت هذا الجسم أو لسانه هو هيئة الكهنوت.

ويؤيد عادةً كثيرون من اللاهوتيين الروس والسلافيين بتأثير خومياكوف القول بأن السلطة العليا في الأرثوذكسية هي الكنيسة جمعاء. وفي الحق أن هذا الزعم ليس خاطئاً ما دام جسم الكنيسة بمجموعه في الأرثوذكسية يُعتبر معصوماً عن الخطأ. على أنه منعاً من حدوث اختلاف في التفسير أو بلبلة في فهم المقصود من هذا، كان يجب أن يقال بطريقة أصحّ، إن السلطة العليا في نظر الكنيسة الأرثوذكسية هي المجامع المسكونية ويجب الاعتراف بها كذلك أولاً من جانب وجدان الكنيسة كلها لتعتبر مجامع مسكونية. (5) فالمحك أو الحكم الخارجي الذي يُعدّ بموجبه المجمع مسكونياً، هو اعتراف الكنيسة بمجموعها، بقراراته، وبناء على هذا تكون الكنيسة بكامل جسمها في الأرثوذكسية هي السلطة الوحيدة المعصومة.

ويحتل العلمانيون، من وجهة النظر الأرثوذكسية، جزءاً جوهرياً في جسم الكنيسة ويتضح هذا من مركزهم في العبادة. فإنه لا يمكن أن تقام خدمة القداس الإلهي أو الأسرار الأخرى المقدسة في غياب العلمانيين (6).

وفي حالة انتخاب الاكليريكيين وفي إدارة الكنائس، يجب أن يقوم العلمانيون بدور هام، طبقاً لمبادئ الكنيسة الأرثوذكسية وتقليدها القديم كما كان في الكنيسة القديمة.

وغير هذا فإنه من المعلوم أن العلمانيين كانوا قسماً جوهرياً في الكنيسة القديمة منذ تأسيسها، في كل نواحي الحياة الكنسية وفي الإدارة الكنسية عينها أيضاً، منذ انعقاد المجمع الرسولي (أعمال الرسل2:15). ولقد اشترك كثير من العلمانيين في المجمع المسكوني الأول وفيما تلا ذلك من مجامع (أنظر كتاب افسابيوس في ترجمة قسطنطين ص 3 وكتاب سوزومينوس في تاريخ الكنيسة ص 17:1 الخ). ومن الآثار الباقية في كنيستنا التي تدلّ على اشتراك العلمانيين في انتخاب الاكليروس طبقاً لتعليم الكنيسة الأرثوذكسية، عادة تعبير الشعب عن رأيه في ساعة رسامة الاكليروس بهتاف كلمة “مستحق” (7) (Axios) للدلالة على رضاه عن انتخابهم.

الأرثوذكسية والنظام المجمعي

وهناك أخيراً مبدأ أساسي وخاصة جوهرية لكنيستنا الأرثوذكسية هو النظام المجمعي في إدارة الكنيسة في أقسامها الجزئية وفي مجموعها أيضاً. وهذا النظام ورثته كنيستنا أيضاً عن الكنيسة القديمة، ولا يجوز لها أن تحيد عنه مهما كانت الأسباب! إن السلطة الإدارية العليا الرسمية في كل كنيسة أرثوذكسية هي المجمع منذ القدم حتى اليوم.

الخلاصة

هذه هي المبادئ الأساسية، والخصائص الجوهرية لكنيستنا الأرثوذكسية. ولم نضع بينها “النزعة القومية والعنصرية” ولا “عبادة الطقوس والتمسك الشكلي بها”. فإن هاتين الظاهرتين هما انحراف عن الروح المسيحي الأرثوذكسي الصحيح يحمل بسببها عادة على الأرثوذكسية كثيرون من غير أبنائها. غير أن هاتين الظاهرتين لا تمتّان إلى جوهر الأرثوذكسية بسبب.

مما سبق ذكره في هذا البحث يتبيَّن أن تاريخ كنيستنا الأرثوذكسية الطويل الحافل بأحداث الزمن لم يتركها بدون أن تتسرب إليها مؤثرات خارجية. ولكن هذه الكنيسة قد حفظت كالفلك في أحضانها مبادئ الكنيسة القديمة الأساسية وخصائصها الرئيسية سليمة غير محرّفة. وحافظت أيضاً على كل كنز تقليد الكنيسة القديمة الشريف العظيم الذي لا يثمّن. وبهذا حق لها أن تحمل لقب “الأرثوذكسية” الشريف بجدارة واستحقاق.

—————————–

هذا المقال مقتطف من بحث للأستاذ بنايوتي براتسيوتس من كلية أثينا اللاهوتية (1888- 1982) وقد تلاه في المؤتمر الأول لللاهوتيين الأرثوذكسيين الذي عقد في أثينا سنة 1936. وقد نقله إلى العربية الأستاذ جرمانوس لطفي ونشر في مجلة النور، العدد 6، سنة 1951.

(1) إن كلمة أرثوذكسية هي يونانية من أرثوس: مستقيم، وذوكصا: زعم أو رأي.

(2) راجع:

  1. Florovsky: (Church of God)، An Anglo-Russian Symposium، ed. By E. Mascall. – S. Boulgakoff، L’orthodoxie (1932)، P.13

(3) وردت ترجمة كلمة Paradhosis في الترجمة العربية البروتستانتية للكتاب المقدس في كثير من الآيات بكلمة (تعليم) وصحتها (التسليم أو النقل) وقد اصطنعنا كلمة (تقليد) لشيوع استعمالها في الكتب الدينية المسيحية باللغة العربية. (حاشية للمترجم)

(4) هذه العبارات مأخوذة من ترنيمة فصحية تقال في كنيستنا الأرثوذكسية في عيد الفصح المجيد.

(5) في هذا ما يفسر عدم اعتبار بعض المجامع الكنسية العامة التي عُقدت مثل مجمع فلورنسا، مجامع مسكونية في نظر كنيستنا، وذلك لأن الملء الكنسي لم يعترف بها كذلك؟

(6) هذا دليل على أن فكرة (الكهنوت الملوكي) الواردة في العهد الجديد، والتي ظهرت دائماً بوضوح في الكنيسة القديمة (ترتليانوس، يوحنا،الذهبي الفم، أوغسطين وغيرهم) لم تصبح غريبة عن روح الكنيسة الأرثوذكسية، ونرى أن مركز العلمانيين في علم اللاهوت الأرثوذكسي يرجع إلى هذا أيضاً.

(7) للأسف أن هذه الكلمة أصبحت هذه الأيام عادة. ولكنها في عمقها آداة يحفظ فيه الشعب نفسه إن استخدامها استخداماً أرثوذكسياً… (الشبكة)

 

الأستاذ بنايوتي براتسيوس

www.orthodoxonline.org

 

 

 

 

 

 

 

الخصائص الجوهريّة للكنيسة الأرثوذكسيّة