...

كلمة الراعي فاعلية الايمان

“إن استطعتَ أن تؤمن فكل شيء مستطاع للمؤمن”. هذا كلام الرب، والسؤال هو لماذا كل شيء مستطاع للمؤمن. المؤمن، في اللغة، من جعل كل ثقته بالله وتاليا من قبل أن فاعليّة أعماله لا تأتي منه بل من الله، وكأنّ الآية تقول ان ما تفعله بالايمان فأنت فاعله بقوة الله.

 

العلّة التي كان إنسان هذه الأعجوبة واقعا فيها هي أنه كان فيه روح شرير يسمّى هنا أَبكم اي يسبّب له عدم النطق. ويصوّره الانجيل على انه “يُزبد ويصرف بأسنانه وييبس”. هذه ظاهرة مرض عقليّ يقول الإنجيل انه تأتّى عنده من روح شرير.

أمام عجز التلاميذ عن شفاء هذا الشخص، يوبّخ يسوع تلاميذه ويتّهمهم بعدم الايمان. الظاهرة النفسية او العقليّة معروفة. يصفها الإنجيلي بعدم الايمان. لا تشفي الآخر الا اذا آمنت. من هنا قوله: “إن استطعت أن تؤمن فكل شيء مستطاع للمؤمن”، اي إن استطعت أن تقبل الايمان فيك فهو قوة الله. انه يأتي منه اليك. انت تؤمن اذا جعلت الله سببا لأعمالك. تكون، اذ ذاك، متلقّيا إياه فيك.

عندما يقول طالب الأعجوبة: أؤمن يا سيّد فأَغث عدم ايماني”، اي نجّني من ضعف الايمان اذا اعتراني، يكون عارفًا بأن الشيطان يريد أن يُبعدنا عن الإيمان حتى لا ننال ما نطلبه من الله. الشيطان عارف بأن خلاصنا من الايمان. لذلك يريدنا أن نشكّك، والايمان يتطلّب إخراج كل شك. لذلك قال السيّد للروح الأبكم الأصمّ: “انا آمُرُك أنِ اخرُجْ منه ولا تعُدْ تدخُل فيه”.

عندما أَمرَ يسوعُ الروح الشرير أن يخرج من المريض، انتفض انتفاضا كبيرا وخرج، فصار الرجل كالميت. وعلّق الربّ على هذه الحادثة بقوله: “ان هذا الجنس (ايّ جنس؟) لا يخرج الا بالصلاة والصوم”، وفي المخطوطات الأصلية كلمة صوم ليست واردة. يبقى، اذ ذاك، أن نفهم أن الشر لا يخرج من انسان الا بالصلاة. هو متحكّم ويحتاج خروجه الى أقوى منه. فقط إذا اكتسبنا حريتنا في المسيح نتوقع الغلبة على الشرير.

لماذا كل هذا الإصرار على الصلاة من قبل السيّد؟ هنا يجب أن تأخذها بمعناها العميق. اذا كانت الصلاة تعني باللغة العربيّة الوصل، يكون الرب نازلا علينا بكلماته وخارجا منا الى الناس والعالم بكلماته. الصلاة قوة الله اذ “الروح القدس هو الذي يشفع فينا بأنّات لا توصف” ( رومية٨: ٢٦). الإله المسكوب فينا هو الذي يدعو ذاته اذا نحن صلّينا. الصلاة حركة منه فينا الى ذاتنا. نحن لا نعطيه شيئا في ذاته. كل شيء فيه. نحن نعترف به فنُوجد. الصلاة التماسُ وجوده وقراره فينا.

الصلاة تُحيي الايمان، تأخذه الى أعماقه كما تتجدد فيه. الايمان فيه تحرّكٌ عقليّ ولكنه فوق ذلك. انه خطفُ العقل الى الله الذي كيانه حُب. اجل، الايمان فاعل بذاته، غير أن محبتنا لله تجعله عميقا. الايمان والصلاة مترادفان، يغذّي أحدهما الآخر الى أن يجتمعا في رؤيتنا لله. واذاوصلنا الى الرؤية في اليوم الأخير لا يبقى سواهما. فاذا كانت الرؤية، تـبطل الصلاة ويبطل الايمان.

بعد وصولك الى حبك لله، لا يبقى شيء تقوله. الرؤية هي القول الأخير. هي اللصوق بالرب ذاته. وعند اللصوق، يبطل القول.

جاورجيوس مطران جبيل والبترون وما يليهما (جبل لبنان)

الرسالة: عبرانيين ١٣:٦-٢٠

يا إخوة، إن الله لمّا وعد إبراهيم، اذ لـم يمكـن أن يُقسـم بما هـو أعظم منه، أَقسـم بنفسه قائلا: لأُباركنّك بركة وأُكثّرنك تكثيرا. وذاك إذ تأنّى نال الموعد. وإنما النـاس يُقسِـمـون بما هو أعظم منهـم، وتنـقضي كل مشاجرة بينـهم بالقَسَـم للتثبيت. فلذلك لـما شاء الله أن يزيد وَرَثـة الـموعد بيانـًا، لعـدم تحوّل عزمـه، توسّـط بالقَسَم، حتى نحصل بأمرين لا يتحوّلان ولا يمكـن أن يُخلف الله فيهما، على تعزية قـوية نحـن الـذين التجأنا الى التمسّك بالرجاء

الموضـوع أمـامنا، الذي هـو لنا كمرسـاة للنـفـس أمينـة راسخة تدخل الى داخـل الحجاب حيث دخل يسوع كسابقٍ لنا، وقد صار على رتبة ملكيصادق رئيـسَ كهنـةٍ الى الأبد.

الإنجيل: مرقس ١٧:٩-٣١

في ذلك الـزمان دنا الى يسوع إنسان وسجد له قائلا: يا معـلّم، قد أتيتُك بابني به روحٌ أبكـم، وحيثما أخذه يصرعه فيُزبد ويصرف بأسنـانه وييبـس. وقد سألـتُ تلاميذك أن يُخرجوه فلم يقدروا. فأجابه قائلا: ايها الجيل غيـرُ المـؤمن، الى متى أكـون عنـدكم؟ حتى متى أَحتملكـم؟ هلمّ به إليّ. فأَتـوه بـه. فلما رآه للوقت صرعه الروح فسقط على الأرض يتمرّغ ويُـزبد. فسأل أباه: منـذ كم من الزمان أصابه هـذا؟ فقال: منـذ صباه، وكثيرا ما ألقاه في النار وفي المياه ليُهلكه. ولكن إن استطعتَ شيئـا فتحنّنْ علينـا وأَغثنـا. فقال لـه يسوع: إن استطعـتَ أن تؤمن فكل شيء مسـتطاع لـلمـؤمن. فـصاح أبـو الصـبيّ من ساعته بدمـوع وقـال: إني أُومن يا سيد، فأَغثْ عدم إيماني. فلما رأى يسوع أن الجمع يتبادرون اليه، انتهر الروح النجـس قائلا له: ايهـا الـروح الأبكم الأصمّ أنـا آمُـرك أنِ اخرج منه ولا تعُدْ تدخل فيه. فصرخ وخبطه كثيرا وخرج منه، فصار كالـميت حتى قال كثيرون انه قد مات. فأخذ يسـوع بيـده وأنهضـه فـقام. ولما دخـل بيتًـا سأله تلاميذه على انفراد: لـماذا لم نستطع نحـن أن نُخـرجه؟ فقال لهم: إن هذا الجنس لا يمكن أن يخرج الا بالصلاة والصوم. ولما خرجوا من هنـاك اجتـازوا في الجليل ولم يـُرِدْ أن يدري أحد، فإنه كان يُعلّـم تلاميذه ويقول لهم: إن ابن البشر يُسلَم الى أيدي النـاس فيقـتلـونه، وبعـد أن يُقتـل يقـوم في اليـوم الثالـث.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

كلمة الراعي

فاعلية الايمان