...

كلمة الراعي سبع خبرات محوريّة في الغلبة على الخوف بالإيمان

درّب يسوعُ تلاميذَه على مواجهة الأخطار والصعاب بروح الإيمان الواثق به، وهم تعلّموا ذلك بفضل دروس كثيرة، كما في حادثة إبحارهم في بحيرة طبريّا عندما جاء يسوع إليهم ماشيًا على المياه وأنقذهم من العاصفة. فما هي الخبرات التي اختزنتها الكنيسة من تلك الحادثة؟

الخبرة الأولى هي الإبحار بأمر من يسوع. ترك يسوعُ تلاميذَه يبحرون من دونه، بينما انهمك هو في صرف الجموع بعد معجزة تكثير الخبز، وانفرد بعدها وحده ليصلّي على الجبل. كان إبحار التلاميذ في المركب وحدهم من دون المعلّم امتحانًا لهم ولما اكتسبوه من مرافقتهم له والاستماع إلى تعليمه ومعاينة عجائبه. هكذا يصلب عود التلاميذ بتدرّبهم على حمل وديعة الإيمان كلّ بحسب موقع مسؤوليّته وتبعًا لظروف خدمته.

الخبرة الثانية هي مواجهة الشدائد والأخطار خلال الإبحار. واجه التلاميذ خطر الإبحار في بحيرة طبريّا وسط العاصفة الهوجاء. من الضروريّ على التلميذ أن يكتسب الحكمة الإلهيّة عبر خبرات كثيرة ويتعلّم ترجمتها على أرض الواقع في تدبير شؤون الحياة المختلفة. وشكّلت الحادثة التي نحن في صددها خبرة محوريّة في الكنيسة الأولى، وخلال أزمنة الاضطهاد المختلفة وغذّت حكمتُها المؤمنين وشدّدتهم في محنهم كأشخاص وجماعة على السّواء.

الخبرة الثالثة تكمن في التأكيد على وجود يسوع في عين العاصفة. لم يكن يسوع لا بعيدًا ولا غريبًا عن معاناة تلاميذه. بينما سادهم الخوف سواء بداعي الخطر الخارجيّ المحدق بهم أو بظهور يسوع ماشيًا على المياه، ظهر يسوع سيّدًا على قوى الطبيعة، عسى سلامه يسود في قلوبهم. كيف السبيل إلى ذلك؟ بالإيمان به، بالاتّكال على معيّته، وبالاستناد إلى قدرته، باتّباع كلمته وأمره، كما ظهر في خلاصة الحادثة.

الخبرة الرابعة هي إمكانيّة الانطلاق دومًا نحو المسيح مهما كانت الأخطار أو شدّة العاصفة. نعم، الإمكانيّة متوفّرة دائمًا للدخول مرّة وأخرى في خبرة الإصغاء إلى المعلّم والمبادرة إليه بشكل يستلهم

مبادرته إلينا. إنّها حركة داخليّة لاستعادة الإيمان به في عين العاصفة: «تشجّعوا! أنا هو. لا تخافوا» (متّى ١٤: ٢٧). التقط بطرسُ مبادرةَ يسوع وطلب إذنه بأن يحاكي خبرته، بالذهاب إليه ماشيًا على المياه كما هو أتى إليهم. لقد وضع البوصلة الصحيحة لنفسه ليمشي بهديها.

الخبرة الخامسة هي التوبة بعد سقوط. تغلّب بطرس على الخوف بالإيمان، لكنّه عاد وترك الخوف يسود عليه عندما استرسل في التمعّن في المخاطر فغيّب يسوعَ عن مجال رؤيته الداخليّة. بفقدانه السيطرة على نفسه وعلى واقعه بآن، كانت صلاتُه من كلّ قلبه حبلَ نجاته وفرصته الجديدة-الأخيرة: «يا ربّ، نجّني» (متّى ١٤: ٣٠). تاب إلى يسوع وترك الكلمة الفصل للقادر على أن ينجّيه.

الخبرة السادسة هي حقيقة الخلاص في الكنيسة. حصل بطرس على إنقاذ مزدوج: من جهة، اليد الممدودة لإنقاذه من الغرق، ومن جهة أخرى، تنبيه يسوع لإنقاذه من شكّه وقلّة إيمانه: «يا قليل الإيمان، لماذا شككتَ؟» (متّى ١٤: ٣١). صوّب يسوع الاتّجاه نحو معالجة الواقع الروحيّ من أجل أن تستقيم معه معالجة الواقع المادّيّ.

الخبرة السابعة هي عبادة الإله الحقيقيّ. «الذين في السفينة جاؤوا وسجدوا له قائلين: «بالحقيقة أنت ابن الله»» (متّى ١٤: ٣٣). فتقديم العبادة لله، بالسجود للمسيح والاعتراف به، يشكّل الإكليل الذي يتوّج خبرة عبورنا في هذا العالم مع يسوع وفي كنيسته، وهو أيضًا يشكّل المحرِّك الذي يوجّه من الآن فصاعدًا خبرتنا في الإبحار وسط العالم، في سفينة الكنيسة وعلى أمواج التوبة.

انتهت الحادثة بأن حلّت السكينة في البحيرة وفي نفوس التلاميذ بصعود يسوع مع بطرس إلى السفينة. الغلبة على الخوف والاضطراب بسيادة الإيمان كرزت به الكنيسة عبر العصور، وقدّمتها في باقة هذه الخبرات السبع وعكستها في خدمتها وشهادتها في مراحل عبور أعضائها وانطلاقهم من هذا الدهر إلى الدهر الآتي، حيث السكينة في الميناء والمعيّة في العبادة والشركة في الله بعد شراكة إيمانيّة في مواجهة الصعاب. فهل تتمخّض أزماتنا بأن تنشئ فينا هذا التوجّه الإنجيليّ وتبرز فينا هذه القامة الروحيّة وتُعلي بيننا هذه الشهادة لعمل الله فينا؟ هذا رجاؤنا، اليوم وكلّ يوم، ونراه معجونًا في قلوب مؤمنة وخادمة ومصلّية. فشكرًا لله على هذه الخميرة الصالحة التي نرجو أن تخمّر العجين كلّه!

+ سلوان متروبوليت جبيل والبترون وما يليهما (جبل لبنان)

 

الرسالة: ١كورنثوس ٣: ٩-١٧

يا إخوة، إنّا نحن عاملون مع الله وأنتم حَرْثُ الله وبناءُ الله. أنا بحسب نعمة الله المعطاة لي كبنّاءٍ حكيم وضعتُ الأساس وآخر يبني عليه. فلينظرْ كلّ واحد كيف يبني عليه، إذ لا يستطيع أحد أن يضع أساسًا غير الموضوع وهو يسوع المسيح. فإن كان أحد يبني على هذا الأساس ذهبًا أو فضةً أو حجارةً ثمينةً أو خشبًا أو حشيشًا أو تبنًا، فإنّ عمل كلّ واحد سيكون بيّنًا لأنّ يوم الربّ سيُظهره لأنّه يُعلَن بالنار وستمتحن النارُ عمل كلّ واحد ما هو. فمَن بقي عمله الذي بناه على الأساس فسينال أُجرة. ومن احترق عمله فسيخسر وسيَخْلُص هو ولكن كمن يمرّ في النار. أما تعلمون أنّكم هيكلُ الله وأنّ روح الله ساكن فيكم؟ من يُفسد هيكل الله يُفسده الله لأنّ هيكل الله مقدَّس وهو أنتم.

 

الإنجيل: متّى ١٤: ٢٢-٣٤

في ذلك الزمان اضطرّ يسوع تلاميذه أن يدخلوا السفينة ويسبقوه إلى العبر حتّى يصرف الجموع. ولمّا صرف الجموع صعد وحده إلى الجبل ليصلّي. ولمّا كان المساء كان هناك وحده. وكانت السفينة في وسط البحر تكدّها الامواج لأنّ الريح كانت مضادّة لها. وعند الهجعة الرابعة من الليل، مضى إليهم ماشيًا على البحر. فلمّا رآه التلاميذ ماشيًا على البحر، اضطربوا وقالوا إنّه خيال، ومن الخوف صرخوا. فللوقت كلّمهم يسوع قائلًا: ثقوا أنا هو لا تخافوا. فأجابه بطرس قائلًا: يا ربّ إن كنتَ أنت هو فمُرني بأن آتي إليك علـى المياه. فقال: تعال. فنزل بطرس من السفينة ومشى على المياه آتيًا إلى يسوع. فلمّا رأى شدّةالريح خاف، وإذ بدأ يغرق صاح قائلًا: يا ربّ نجّني. وللوقت مدّ يسوع يده وأَمسك به وقال له:

يا قليل الإيمان لماذا شككتَ؟ ولمّا دخلا السفينة سكنتِ الريحُ. فجاء الذين كانوا في السفينة وسجدوا له قائلين: بالحقيقة أنت ابنُ الله. ولمّا عبروا جاؤوا إلى أرضِ جنيسارت.

 

 

 

Raiati Archives

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

كلمة الراعي

سبع خبرات محوريّة في الغلبة على الخوف بالإيمان