...

كلمة الراعي سؤال الحياة

هذا سؤال الحياة: «مَن هو قريبي؟». الناس عندهم أنّ القريب هو الزوج أو الابن أو العمّ، كلّ هؤلاء الذين نسمّيهم أقرباء، والناس عندهم تفريق بين القريب والغريب. القريب من شاطرنا الذوق أو الدين أو القربى، والغريب من اختلفنا عنه واعتبرناه غريبًا.

هنا يأتي إلى يسوع معلّم في الشريعة، لاهوتيّ في إسرائيل كان عليه أن يعرف الجواب قبل أن يسأل، ولذلك قال عنه الكتاب إنّه جاء مجرّبًا ليسوع وسأله كيف أخلص؟ يجيبه يسوع: «أَحبب الربَّ إلهك مـن كلّ قلبك ومن كلّ نفسك ومن كلّ قدرتك ومن كلّ ذهنك وقريبك كنفسك». يعرف الرجل أنّ شريعة موسى تأمر بالمحبّة ولكنّها تفرّق بين القريب والغريب. تقول الشريعة: أحبب اليهوديّ فقط، وغير اليهود يُقال لهم الأمم ولا شأن لليهود معهم.

السامريّون، مع أنّهم كانوا جيرانًا لليهود في أرض السامرة، يُعتبرون غرباء لأنّهم يؤمنون بالأسفار الموسويّة الخمسة فقط ولا يقبلون أنبياء اليهود، ولأنّ دماءهم اختلطت عبر الزواج بالدم الأجنبيّ. لذلك اعتبرهم اليهود غرباء لا شأن لهم معهم ولا عناية لهم بهم.

لمّا سأل معلّم الناموس: من هو قريبي؟ حكى له يسوع المثل الوارد في إنجيل اليوم. يسوع لم يجب مباشرة عن سؤال الناموسيّ، لكنّه ردّ على السؤال بسؤال: من تحسب أنّه صار قريبًا لهذا الجريح؟ قال: الذي صنع معه الرحمة، إنّ هذا السامريّ الغريب، المكروه، الملعون صار بالحبّ قريبًا لليهوديّ المجروح. انهارت الحواجز بين الأمم عندما جاء يسوع معلّمًا الرحمة، انهار الحاجز بين القريب والغريب، بين حيّ وحيّ، بين منطقة ومنطقة، بين قرية وأخرى، بين عائلة عريقة وعائلة غير عريقة.

كلّ هذه الاعتبارات الدنيويّة، المصلحيّة أبادها يسوع. قال لنا: أمامك إنسان معيّن بحاجة إليك: فقير أو جريح أو وحيد أو يشعر بأنّ لا أحد يحبّه، هذا عيّنه الله لك قريبًا إن أنت ذهبتَ إليه. لذلك السؤال: «من هو قريبي» غير وارد. اذهب إلى الإنسان الذي تراه محتاجًا إليك، الذي وضعته الظروف في طريق حياتك مهما كان جنسه أو دينه أو… فإذا أنتَ ذهبتَ وأحببتَ تجعله قريبًا لك.

قال آباء الكنيسة إنّ السامريّ الشفوق هو صورة عن المسيح، لأنّه هو الوحيد الذي هدم الحواجز بين البشر وذهب إلى كلّ الناس، وأرسل الرسل إلى العالم أجمع ليجعل بين الناس جميعًا محبّة. الذين يحبّون بعضهم بعضًا هؤلاء صاروا كنيسة المسيح بالحبّ. مفروض طبعًا أنّ المعمّدين يحبّون بعضهم بعضًا، ليكونوا قدوة للناس حتّى يشعّ النور الذي فيهم وينتقل إلى الآخرين من طريق الحبّ، وهكذا تنتشر الكنيسة الحقيقيّة، كنيسة المحبّين.

الدواء هو الحبّ. هذا يعني أنّنا من بعد أن نلتقي بعضنا البعض نعتني، نخدم، نضحّي وهكذا يتحسّن الشخص الآخر لأنّنا أحببناه.

ما من إنسان يستطيع أن يقاوم المحبّة حتّى النهاية. لا أحد يستطيع أن يقاوم محبّة دائمة، صادقة، لا مصلحة فيها.

جاورجيوس مطران جبيل والبترون وما يليهما (جبل لبنان)

 

الرسالة: ٢كورنثوس ٩: ٦-١١

يا إخوة إنّ مَن يزرع شحيحًا فشحيحًا أيضًا يحصد، ومَن يزرع بالبركات فبالبركات أيضًا يحصد، كلّ واحدٍ كما نوى في قلبه لا عن ابتئاس أو اضطرار، فإنّ الله يُحبّ المعطي المتهلّل. والله قادرٌ على أن يزيدكم كلَّ نعمةٍ حتّى تكونوا ولكم كلّ كفاية كلَّ حينٍ، في كلّ شيء تزدادون في كلّ عمل صالح. كما كُتب إنّه بدّد، أَعطى المساكين، فبرّه يدوم إلى الأبد. والذي يرزق الزارع زرعًا وخبزًا للقوت يرزُقكم زرعكم وبكثرة ويزيد غلال برّكم، فتستغنُون في كلّ شيء لكلّ سخاء خالص ينشئ شكرًا لله.

 

الإنجيل: لوقا ١٠: ٢٥-٣٧

في ذلك الزمان دنا إلى يسوع ناموسيٌّ وقال مجرّبًا له: يا معلّم ماذا أَعمل لأرث الحياة الأبديّة؟ فقال له: ماذا كُتب في الناموس، كيف تَقرأ؟ فأجاب وقال: أَحبب الربَّ إلهك مـن كلّ قلبك ومن كلّ نفسك ومن كلّ قدرتك ومن كلّ ذهنك، وقريبَك كنفسك. فقال له: بالصواب أَجبتَ، إعمل هذا فتحيا. فأراد أن يزكّي نفسه فقـال ليسوع: ومَن قريبي؟ فعاد يسوع وقال: كان إنسانٌ منحدرًا من أورشليم إلى أريحا، فوقـع بين لصوصٍ فعـرَّوه وجرَّحوه وتركوه بين حيّ وميت. فاتّفـقَ أنّ كاهنًا كان منحدرًا في ذلك الطريق فأبصره وجاز من أمامه. وكذلك لاويٌّ، وأتى إلى المكان فأبصره وجاز من أمامه. ثمّ إنّ سامريًّا مسافرًا مـرّ به، فلمّا رآه تحنّن، فـدنا إليه وضمـّد جراحاته وصـبّ عليها زيتًا وخمرًا، وحمله على دابَّته وأتى به إلى فنـدقٍ واعتنى بأمره. وفي الغد فيما هو خارجٌ أَخرجَ دينارين وأَعطاهما لصاحب الفندق وقال له: اعتنِ بأمره، ومهما تُنفـق فوق هذا فأنا أَدفعه لك عند عـودتي. فأيُّ هؤلاء الثلاثة تحسب صار قريبًا للذي وقع بين اللصوص؟ قال: الذي صنع إليه الرحمة. فقال له يسوع: امضِ فاصنعْ أنت أيضًا كذلك.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

كلمة الراعي

سؤال الحياة