...

كلمة الراعي تلميذ المسيح وحمل الصليب في ورشة الحياة

في الأحد الذي يلي احتفالنا بعيد رفع الصليب، تعلّمنا الكنيسة عبر القراءة الإنجيليّة أن نطرح على أنفسنا خمسة أسئلة تساعدنا الإجابة عنها على حمل صليب المسيح والاقتداء به. فما هي معالم طريق المتتلمذ على الإنجيل في حمل صليبه؟

السؤال الأوّل، كيف نتعاطى مع أنفسنا ومع العالم؟ يقودنا الجواب إلى أن نفحص أنفسنا كيف نفتدي الوقت وفي أيّ مشروع نستثمره. فهل مشروعنا هو ملكوت أرضيّ أم الملكوت الذي وعدنا به الله؟ في أيّ مشروع منهما نستثمر وقتنا ومواهبنا وطاقاتنا؟ في أيّ منهما نضع أحلامنا وتطلّعاتنا ومخطّطاتنا؟ فإن ابتغينا ملكوت الله، كان علينا أن نسير في معالمه والذي يتزيّن بالتوبة إلى الله، بالمصالحة مع الإخوة، بالتعاضد مع القريب، وبالبذل بصمت. أمّا المشروع الآخر، فمبنيّ على نقيض الأوّل، أي على الأنانيّة والمصلحة والتسلّط وتمجيد الذات والتملّك.

السؤال الثاني، ما هو ميزان الربح والخسارة بحسب الإنجيل؟ الإنسان الحكيم هو مَن يطلب في الحياة معطيها وما يتزيّا به من حقّ وحياة وخلود وبرّ وصلاح، ويتخلّى في هذا السبيل عمّا هو وهم وموت وقتيّ وفانٍ. يساعدنا ميزان الإنجيل على اكتساب الحكمة الضروريّة والحرّيّة الحقّ في الاختيار بين طريق الله وطريق الشيطان، بين الحياة الأبديّة والحياة العالميّة. هكذا نميّز بين المعطي (الله) وعطيّته (العالم) ونؤثر أن نلتصق بالأوّل، ولا يأسرنا الثاني. فالشركة مع الله نتيجتها الربح الأسمى!

السؤال الثالث، ما علاقتنا بالعالم: أَهو مجال ازدراء أم مجال بشارة؟ الله لم يزدرِ العالم، فهو وضعه ليشكّل مجالًا لشركتنا فيه، لتسبيحه على أعماله ومحبّته وتدبيره، وتمجيده بالأعمال الصالحة. العالم هو المجال المعطى للإنسان لينمو في الله. فإن أغرقه العالم وشتّته عن الله بات العالم خطرًا عليه، ولكن عندما يحوّل العالمَ إلى مذبح يقدّم عليه نفسه وهيكلٍ يستدعي فيه نعمة الروح القدس، ساعتها يصير العالم مجالًا للبشارة وليحتضنه الله بتدبيره.

السؤال الرابع، ما معنى أن نستحي بالربّ وبكلامه؟ هذا سؤال يحرجنا بالعمق. هل من الممكن أن نصل إلى حالة نعيش فيها على أساس أنّ يسوع لا يشكّل بالنسبة إلينا مَن نفتخر به، أو مَن يعلي شأننا، أو مَن هو أهل للثقة والاتّكال عليه، أو مَن هو إلهنا ومخلّصنا؟ يبدو أنّ الخطر كامن في أن نؤثر طريقة حياة وحكمة غير تلك التي يقدّمها انكشفت بعيش الإنجيل في عمقه وعرفت الكنيسةُ حقيقته بالخبرة المتراكمة، جيلًا بعد جيل.

السؤال الخامس، ما هي المفارقة بين الجيل الفاسق الخاطئ والجيل الذي لا يذوق الموت وسيرى ملكوت الله آتيًا بقوّة؟ قابل يسوع، في حديثه مع تلاميذ، بين جيلَين، وعاين واقعهما، من جهة، وثمارهما، من جهة أخرى، وذلك من منظار علاقتهما بالله ووجود الإيمان في حياة هؤلاء وأولئك وفاعليّته وحقيقته. هذا يفتح مداركنا على فهم القصد الكامن في دعوة المسيح لتلاميذه عبر العصور: «من أراد أن يأتي ورائي فلينكرْ نفسه ويحملْ صليبه ويتبعْني» (مرقس ٨: ٣٤). بات بإمكان التلميذ أن يعاين فاعليّة حكمة الإنجيل في شقّ الطريق نحو الله (نكران الذات-البذل)، والسير فيه (حمل الصليب-الصبر)، والبلوغ إلى نهايته (اتّباع المسيح-الشركة مع الله).

هلّا تأمّلنا الحكمة الكامنة في هذه الدعوة وواجهنا أنفسنا في مرآتها وتلقّفنا الربح الكامن فيها؟ هلّا شجعنا بعضنا بعضًا في هذا الدرب الذي يتطلّب بذلًا وصبرًا والتصاقًا بالربّ دائمًا؟ هلّا شكرنا كلّ أب أو أمّ أو مُرَبٍّ أو معلّم أو قريب أنار دربنا حتّى لا نخسر أنفسنا، بل نربحها للمسيح؟ ألا بارك الربّ جميع الذين هم مثال صالح لسواهم، والذين يسيرون في إثرهم ويتعلّمون من كيسهم ومن خبرة سواهم في حمل صليب المسيح.

+ سلوان متروبوليت جبيل والبترون وما يليهما (جبل لبنان)

 

الرسالة: غلاطية ٢: ١٦-٢٠

يا إخوة، إذ نعلم أنّ الإنسان لا يُبرَّر بأعمال الناموس بل إنّما بالإيمان بيسوع المسيح، آمنَّا نحن أيضًا بيسوع المسيح لكي نُبرَّر بالإيمان بالمسيح لا بأعمال الناموس إذ لا يُبرَّر بأعمال الناموس أحد من ذوي الجسد. فإن كنّا ونحن طالبون التبرير بالمسيح وُجدنا نحن أيضًا خطأة، أفَيكون المسيح إذًا خادمًا للخطيئة؟ حاشى. فإنّي إنْ عُدتُ أبني ما قد هدمتُ أَجعلُ نفسي متعدّيًا، لأنّي بالناموس متُّ للناموس لكي أَحيا لله. مع المسيح صُلبتُ فأحيا، لا أنا، بل المسيح يحيا فيَّ. وما لي من الحياة في الجسد أنا أحياه في إيمانِ ابنِ اللهِ الذي أَحبّني وبذل نفسه عنّي.

 

الإنجيل: مرقس ٨: ٣٤-٣٨، ٩: ١

قال الربّ: من أراد أن يتبعني فليكفُرْ بنفسه ويَحمل صليبه ويتبعني، لأنّ من أراد أن يُخلّص نفسه يُهلكها، ومن أَهلَكَ نفسه من أجلي ومن أجل الإنجيل يُخلّصها. فإنّه ماذا ينتفع الإنسان لو ربح العالم كلّه وخسر نفسه، أَم ماذا يعطي الإنسان فداء عن نفسه؟ لأنّ من يستحيي بي وبكلامي في هذا الجيل الفاسق الخاطئ يستحيي به ابنُ البشر متى أتى في مجد أبيه مع الملائكة القدّيسين. وقال لهم: الحقّ أقول لكم إنّ قومًا من القائمين ههنا لا يذوقون الموت حتّى يرَوا ملكوت الله قد أتى بقوّة.

 

 

 

Raiati Archives

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

كلمة الراعي

تلميذ المسيح وحمل الصليب في ورشة الحياة