...

كلمة الراعي الرحمة

الرحمة هي أن يتّسع الإنسان للآخرين، أن يجعلهم في داخل قلبه. لكن كيف نعامل الناس بالواقع؟ لنا أوّلاً صورة عنهم قد تأتي من سلوكهم وقد تأتي من خيالاتنا. ليس صحيحًا أنّ لنا معرفة دقيقة عن كلّ إنسان. نحن نتخيّل أنّ هذا الإنسان هو هكذا لأنّه قيل لنا إنّه من القرية الفلانيّة وأهل هذه القرية بخلاء أو كرماء. لا يمكننا أن نحبس الإنسان في صيت قريته. ثمّ نقول جدّه عاملنا هكذا ولذلك ينبغي أن يكون مثل جدّه. الكتاب الإلهيّ علّمنا أنّ الإنسان لا يحمل خطيئة أبيه وأنّ كلّ إنسان قائم بذاته.

إلى جانب هذا نحسب في محيطنا أنّ فلانًا هكذا يتصرّف لأنّه ينتمي إلى الطائفة الفلانيّة. هذا غير صحيح، ليست الطائفة الفلانيّة كلّها كذلك. طبعًا يجد الإنسان فرقًا بينه وبين الناس ولا يحتمل الفروق بينه وبين الآخرين. يريد أن يقول الناس قوله هو مهما كان.

الرحمة أن نأخذ كلّ واحد كما هو، ونرى سلوكه كما هو ولا لأنّه من هذه القرية أو هذه الطائفة. يوجد أناس طيّبون في كلّ مكان وفي كلّ مجتمع قد ينتمون إلى شتّى الأقطار أو إلى شتّى المذاهب، وليس صحيحًا أنّهم أشرار أو متعصّبون لمجرّد انتمائهم هذا. الرحمة إذًا اليوم تعني بالدرجة الأولى أنّنا نرى الإنسان كما هو ونعامله كما هو بصرف النظر عن انتمائه.

قد يكون الإنسان الذي أمامنا ضعيفًا ونعامله على هذا الأساس. قد يكون الإنسان الذي أمامنا سارقًا أو كاذبًا أو محتالاً ونحن نتعامل معه على أساس الفكر المسيحيّ الذي في الإنجيل. لا نسكت عن السيّئات لكن نقاومها بالحُسنى، بالرحمة، بالألفة، بالجود. نقاوم السيّئات بسلوك حسن كما يقول الرسول بطرس في رسالته الأولى: «غير مجازين عن شرّ بشرّ أو عن شتيمة بشتيمة، بل بالعكس مباركين…» (٣: ٩).

نُصلح الإنسان الآخر بسلوك جيّد، بدون أن ندينه، نلومه بلطف. الإنسان الذي أمامنا ونربّيه بهذا الجمال الروحيّ الذي فينا، ينزعج لأنّ الكاذب والمحتال والسارق يضطرب إذا وجد أمامه أناسًا صالحين. وجودهم توبيخ له. من هنا يبدأ العداء لكلّ إنسان مستقيم «كلّ الذين يعيشون بالتقوى بالمسيح يسوع يُضطَهدون» (٢تيموثاوس ٣: ١٢).

جواب الربّ يسوع عن كلّ هذا أن «كونوا رُحماء». هذا هو السرّ. لماذا علينا أن نكون رُحماء مع من يعادينا؟ لأنّنا مُكَلّفون برعايته. كلّ إنسان راعٍ للإنسان. على مثال السامريّ الشفوق كلّ واحد منّا يعتني بالآخر، يخلّصه.

الله جعلنا رعاة الواحد للآخر أو بعبارة أخرى كلّ واحد طبيب للآخر. لماذا عليّ أن أرحم عدوّي؟ يأتي الجواب: لأنّك تعرف عيبه. عداوته قرّبته إليك. أنتَ تعرف نواقصه وتعالجها. على كلّ واحد منّا أن يطهّر قلبه من كلّ عداوة ويرى الآخر لأنّه من أبناء الله.

نحن ليس لنا أعداء. الناس حولنا كلّهم أبناء الله، وأبناء الله فيهم الصالح وفيهم الطالح. المسيحيّة دين واقعيّ، دين التعامل بالمحبّة والرحمة.

جاورجيوس مطران جبيل والبترون وما يليهما (جبل لبنان)

 

الرسالة: ٢كورنثوس ٦: ١٦-١٨ و٧: ١

يا إخوة أنتم هيكل الله الحيّ كما قال الله: إنّي سأسكُن فيهم وأَسيرُ في ما بينهم وأكون لهم إلهًـا ويكونون لي شعبًا. فلذلك اخرجوا من بينهم واعتزلوا يقول الربّ ولا تمسّوا نجسًا، فأَقبلكم وأَكون لكم أبًا وتكونون أنتم لي بنين وبناتٍ يقول الربّ القدير. وإذ لنا هذه المواعد أيّها الأحبّاء فلنُطهِّر أنفسنا من كلّ أدناس الجسد والروح ونُكمل القداسة بمخافة الله.

 

الإنجيل: لوقا ٦: ٣١-٣٦

قال الربّ: كما تريدون أن يفعل الناس بكم كذلك افعلوا أنتم بهم فإنّكم إن أحببتم الذين يُحبّونكم فأيّة منّة لكم؟ فإنّ الخطأة أيضًا يُحبّون الذين يُحبّونهم. واذا أحسنتم إلى الذين يُحسنون إليكم فأيّة منّة لكم؟ فإنّ الخطأة أيضًا هكذا يصنعون. وإن أَقرضتم الذين ترجون أن تستوفُوا منهم فأيّة منّة لكم؟ فإنّ الخطأة أيضًا يُقرضون الخطأة لكي يستوفوا منهم المثل. ولكن أَحبّوا أعداءكم وأحسنوا وأقرضوا وأنتم لا ترجون شيئًا فيكون أجركم كثيرًا وتكونوا بني العليّ. فإنّه مُنعم على غير الشاكرين والأشرار. فكونوا رُحماء كما أنّ أباكم هو رحيم.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

كلمة الراعي

الرحمة